“نصر الدين” ..وبناء مدرسة علمية وطنية أفريقية

 

بقلم: رمضان قرني محمد

خبير الشؤون الإفريقية بالهيئة العامة للاستعلامات

إذا كان من السهل على التلميذ أن يكتب عن أستاذه من الناحية الإنسانية وإيراد مآثره وفضل عطائه وجود كرمه، إلا  أنه من الصعب الكتابة عن الأستاذ والرائد .. هكذا هو حالي حين أكتب عن العالم الجليل وأحد رواد الدراسات الإفريقية في مصر وقارة إفريقيا ..الأستاذ الدكتور إبراهيم نصر الدين “رحمه الله”.

ربما يتحدث الكثير عن عالمنا الجليل في إسهاماته الفكرية في حقول الدراسات الإفريقية المتعددة، بداية من الفكر السياسي، ومروراً بالنظم الإفريقية المقارنة، وانتهاءً بموقع إفريقيا في العلاقات الدولية المعاصرة، إلا إنني أود الحديث عن منهج لأستاذنا “نصر الدين” عرفته فيه عن قرب، وشاركت فيه معه بحكم “التلمذة” والمساهمة من خلال دوريتنا الغراء “آفاق إفريقية” ، والذي كان صاحب الفضل في تأسيسها بالتعاون مع قيادات وأبناء “الهيئة العامة للاستعلامات” عام 2000.

النقطة التي أود أن استعرض لها بالتفصيل تتعلق بدور “نصر الدين” في تأسيس ما يمكن أن نطلق “مدرسة وطنية مصرية للدراسات الإفريقية”، وهو إسهام علمي وإنساني يستحق أن نتوقف عنده بمزيد من التأمل والتحليل..

أولا: يعد العالم الراحل امتداد للمدرسة المصرية في حقل الدراسات الإفريقية والتي قام على إرسائها علماء أجلاء من أبرزهم :بطرس غالي، وعبدالملك عودة، وحورية مجاهد…وغيرهم الكثير من علماء السياسة.

ثانياً: حرص إبراهيم نصر الدين على تكوين جيل من الباحثين المصريين في حقل الدراسات الإفريقية، غرس فيه روح الانتماء لمصرنا “الإفريقية” وقارتنا “العظيمة” وهي أولى لبنات تشكيل الباحث، من حيث الجمع بين انتمائه الوطني وانتمائه القاري الأوسع، وكلنا يتذكر دوماً مقولته الشهيرة : المصري..إفريقي الهوى..عربي اللسان.. مسلم ومسيحي الديانة.

ثالثًا:  سعى استاذنا الراحل من خلال معالم هذه المدرسة إلى الربط بين أجيال مصرية في حقل الدراسات الإفريقية، وهي أجيال الآباء المؤسسين وأجيال شباب الباحثين، حتى أصبح لدينا اليوم مدرسة متكاملة تضم المئات من أجيال الوسط تضاف إلى شباب الباحثين في الدراسات الإفريقية.

رابعاً: البحث عن كل ما هو جديد في تفاعلات النظم السياسية الإفريقية، وموقع إفريقيا في العلاقات الدولية، وهو أمر كان يرسخه دوما في مجالات وقضايا الإشراف العلمي على طلابه في رسائل الماجستير والدكتوراة.

خامساً: خلق التشبيك العلمي والفكري والحضاري بين النخبة العلمية المصرية ونظيرتها الإفريقية، إيماناً واعتزازاً بالتكامل بين مصر ومحيطها الإفريقي، وتوظيفاً لخبرته في الجمعية الإفريقية للعلوم السياسية.

سادساً: البعد الإنساني في رعاية الطلاب الأفارقة الدارسين بمصر، حيث كان يحرص الراحل الجليل على إيلاء قضاياهم ومشكلاتهم العلمية والإنسانية الأولوية القصوى، من منطلق أن الجميع أبناء مدرسة علمية واحدة ، لا فرق بين مصري أوإفريقي.

سابعاً: خلق الآليات المجتمعية للنخبة العلمية المصرية والإفريقية، من خلال تأسيس “الجمعية العلمية للشؤون الإفريقية” باعتبارها مركز تفكير للدولة المصرية، ومنتدى علمي لعلماء وباحثي القارة، والأهم ملتقى فكري وبحثي لشباب وباحثي الدراسات الإفريقية، وهم للحق كان أغلبهم ينتمي لدول القارة بجانب مصر.

ثامناً: حفظ التراث العلمي والفكري لشباب وخبراء الشؤون الإفريقية، عبر المساهمة القوية في تأسيس دوريتي “آفاق إفريقية” عام 2000 بالتعاون مع الهيئة العامة للاستعلامات، ودورية “الشؤون الإفريقية” بجامعة القاهرة، وهو ما وفر منبراً ورافداً علميا ممتداً ختى يومنا هذا.

ولعل النقطة الجديرة بالتأمل في هذا الجانب، هو حرص العالم الراحل على أن تكون الدوريات العلمية منبراً علمياً، وأدوات تواصل حضاري بين شعوب وباحثي القارة الإفريقية، وأن تخدم صانع القرار كل في مجاله.

تاسعا:  الوفاء لمدرسة الرواد في الدراسات الإفريقية، عبر الإسهام في تشكيل مكتبة علمية تحمل اسم الراحل الجليل الاستاذ الدكتور عبدالملك عودة “رحمه الله”، حيث كانت هذه السلسلة أفقاً للنشر العلمي لشباب الباحثين، وتكريماً لاسم عالم جليل، مم أفضى إلى تشكيل مكتبة علمية متكاملة في الدراسات الإفريقية.

عاشرا: البناء العلمي والمؤسسي لحركة السياسة الخارجية المصرية في إفريقيا، عبر تأكيد أهمية دور مراكز الفكر والبحوث في رفد جهود مؤسسات الدولة المصرية، ومن هنا كان حرص العالم الجليل على تنظيم العديد من المؤتمرات العلمية التي تخدم أهداف الدولة المصرية في إفريقيا ومنها على سبيل المثال: الإرهاب..العلاقات العربية – الإفريقية ..التجارب الديمقراطية في إفريقيا..الخ

د. رمضان قرني

د. رمضان قرني محمد

Post source : إذا كان من السهل على التلميذ أن يكتب عن أستاذه من الناحية الإنسانية وإيراد مآثره وفضل عطائه وجود كرمه، إلا  أنه من الصعب الكتابة عن الأستاذ والرائد

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *