بقلم: د.جوزيف رامز امين
رغم مشاعر الالم والاسي التى انتابتنى وبالتاكيد انتابت قطاع عريض من المهتمين بالشأن الاثيوبى اثر حادث الانفجار الاليم الذى حدث فى ميدان”ماسكال”بقلب العاصمة الاثيوبية”اديس ابابا”ومحاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء المختار حديثا من جانب :الجبهة الحاكمة” :أبا أحمد” تعززت بموافقة البرلمان وذلك اثر استقالة رييس الوزراء السابق /هيلا ماريام دسالين المفاجئة فى مارس الماضى…ورغم ان الحادث راح ضجيته عدد من القتلى بخلاف الجرحى والاثر السيىء الناتج عنه وما مثله من تهديد مباشر لرييس الوزراء الاثيوبى الجديد…والذى بات يمثل علامة فارقة فى سياسة اثيوبيا الداخلية والخارجية على وجه الخصوص.وهو ما عبر عنه “فيتسوم أريجا” مدير مكتب رئيس الوزراء بتغريدة على تويتر قال فيها: “بعض من امتلأت قلوبهم بالكراهية شنوا هجوما بقنبلة. السيد رئيس الوزراء أبي بخير. منفذو الهجوم سيمثلون أمام العدالة”.
وتماما وكما ذكر صديقى الملحق الاعلامى بالسفارة الاثيوبية بالقاهرة”زريهون مجريسا”فى تغريدة له أيضا على “الفيس بوك” ….لقد وصل التغيير المستمر في إثيوبيا إلى نقطة اللاعودة. دعونا نواجه الحقيقة. لا يمكن لأي محاولة دنيوية أن تنقلب على رئيس الوزراء الإصلاحي أبي أحمد. السبب الرئيسي هو أن غالبية الشعب الإثيوبي احتضنته وتحميه.لذلك صدق أو لا تصدق ، لقد أصبح هذا حقيقة عامة. وبصرف النظر عن هذا ، فإن أي محاولة لعكس ذلك هي مجرد محاولة عقيمة…
فحقيقة لم تكن تمر أسابيع بل أيام قلائل على توليه المنصب وأداءه اليمين فى أبريل ٢٠١٨ حتى تحركت عقارب الساعة وحدثت العديد من الايجابيات سواء بشأن تهدئة الوضع المتدهور فى اقليم اورومو وحالة عدم الاستقرار التى شهدها هذا الاقليم فى السنوات الاخيرة ومانتج عنها من عنف وفوضى…ولعل رفع حالة الطوارىء المفروضة من قبل يمثل أحد اهم الايجابيات…بجانب بدء الافراج عن المسجونيين وخاصة السياسيين منهم والمعارضيين..
يذكر أنه-وكما-أوضحت صحيفة «واشنطن بوست» فان رئيس الوزراء المستقيل «ديسالين» أصبح رئيسا للوزراء عام 2012، خلفا لميليس زيناوي، مهندس الطفرة الاقتصادية الأخيرة في إثيوبيا. وشهدت البلاد فى عهده عقدا من نمو مزدوج في الأرقام، يستند إلى حد كبير على استثمارات الدولة في البنية التحتية. بينما تباطأ النمو في السنوات الأخيرة تحت ضغط من الجفاف الشديد والاضطرابات الاجتماعية.
وترى الصحيفة أنه رغم اعتبار النظام السياسي في إثويبيا ديمقراطيا بشكل ظاهري، فإن الحزب الحاكم، وهو ائتلاف من الأحزاب، يسيطر على 100 في المائة من البرلمان، ويقول منتقديه إن الأمة تسيطر عليها الأقلية التيجيرية التي تشكل 6% فقط من السكان.وكان «ديسالين»، الذي يأتي من الجنوب، يُنظر إليه على أنه شخصية سياسية توافقية لا يتمتع بقدر كبير من السلطة. وأشيع على نطاق واسع أنه سيستقيل بعد مؤتمر الحزب الذى جرى عقده مارس الماضى.
وحيث كان شعب «أورومو» في إثيوبيا دائم الاحتجاج من أجل زيادة الحقوق وضد تهميشهم الاقتصادي منذ نهاية عام 2015، وفي وقت ما أعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمدة 10 أشهر في أكتوبر 2016 لاستعادة الهدوء في البلاد.كما واجهت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، التي كان «ديسالين» رئيسا لها، انقسامات داخلية، إذ شاركت الأحزاب التي تمثل المناطق العرقية الأخرى، خاصة «أورومو» و«أمهرا»، ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلادفى المواجهة ضد الحكومة .وعقب اجتماع المجلس التنفيذى للحزب، أعلنت الحكومة، في يناير الماضى ، خطة لبدء إطلاق سراح السجناء السياسيين في محاولة لتوسيع التوافق السياسي.
ولقد-أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال الأسابيع الماضية، ومنذ أداءه اليمين قرارات مهمة، تضمنت إقالة أقوى رجلين في الائتلاف الحاكم، وهما قائدا الجيش والمخابرات، وأعلن قبول ترسيم الحدود مع جارته إريتريا وتطبيع العلاقات بين البلدين، بعد عقدين من الحرب والجفاء، ثم قام بزيارة مفاجئة للعاصمة المصرية القاهرة، وهو ما لفت الأنظار إلى أن هناك سياسات جديدة تتشكل في إثيوبيا، داخلياً وإقليمياً.
فلقد فاجأ آبي أحمد المراقبين مؤخرا، بتعيين سيري ميكونن قائداً للجيش بديلاً لسامورا يونس، وقائد القوات الجوية آدم محمد رئيساً لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني خلفاً لجيتاتشو أسفا، اللذين ظلا في منصبيهما الحساسين لعقود دون تغيير. قرار الإطاحة بأقوى رموز الحرس القديم، كما يراه الباحث في شئون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، هو محاولة من الرجل لإحكام سيطرته على الأوضاع عن طريق الإتيان بقيادات جديدة تنسجم مع خطواته الإصلاحية.
ووفقا لما ذكرته صحيفة «الشرق الأوسط»: فان «القرارات بإطلاق المعتقلين، وبدء التفاوض مع المعارضة، واتخاذ خطوة تصالحية مع الجارة إريتريا التي تعد أعدى أعداء إثيوبيا، كلها تؤشر إلى حاجة إثيوبية لقيادات عسكرية وأمنية جديدة، تنسجم مع التوجه السياسي لرئيس الوزراء».”فهناك بعض مكونات التحالف الحاكم لا توافق بنسبة مائة في المائة على الخطوات التي اتخذها آبي أحمد، وهي تملك مراكز نفوذ داخل الأجهزة الأمنية يمكن أن توظفها في معارضة هذا التوجه، لذلك أقدم آبي أحمد على إقالة الرجلين».
وعلى الرغم من آبي أحمد لم يقدم أي تفسيرات للقرارات التي اتخذها وأطاح بموجبها بيونس وأسفا، اللذين ظلا في منصبيهما لقرابة عقدين من الزمن، فإن التحليلات الصحفية اللاحقة اعتبرت القرار خطوة باتجاه تحقيق وعود قطعها الرجل قبل توليه المنصب، استجابة لمطالبات المحتجين في المظاهرات التي بدأت منذ عام 2015.
التغييرات الداخلية :
إن إثيوبيا تواجه تحديات حقيقية تتمثل في مواجهتها اختلالات بنيوية واضطرابات سياسية كامنة في بنية نظامها السياسي الإثيوبي، نتيجة فشل تطبيق نظرية «الديمقراطية التوافقية» وتحقيق العدالة بين الإثنيات المختلفة”حيث تضم قرابة 80 اثنية وتلقب بمتحف القوميات” وأدت في النهاية إلى سيطرة مجموعة محددة على السلطة والثروة.
وعلى الرغم من تحقيق إثيوبيا لمعدلات نمو سريعة، فإن معدلات الفقر لم تتأثر بها وظلت مرتفعة، وهو ما عزز مشاعر الحرمان الاقتصادي داخل الجماعات الإثنية ودفعها للاحتجاج والتظاهر وخلق التوتر، وهو ما يضع حكومة آبي أحمد أمام امتحان مصداقية حقيقي. مطلوب من حكومة آبي أحمد بحسب الخبراء، العمل بجد لاحتواء توتر جماعتي الأورومو والأمهرا وتحقيق مطالبهما، وتطبيق سياسات اقتصادية للقضاء على البطالة، وتضمين التعاطف مع ضحايا الاحتجاجات ضمن الأجندة السياسية، وتجديد دماء النظام والدفع بقيادات جديدة… بدأها الرجل من أعلى سلمها بإعفاء قائدي الجيش والمخابرات.
ولقد قال أحمد أمام عشرات الآلاف من مؤيديه إن “التغيير قادم لإثيوبيا، ولا عودة للوراء. على مدى المائة عام الماضية، ألحقت الكراهية أضرارا هائلة بنا. نحن بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات”.
ولقد أعلن أبا أحمد (42 عاما) الذى تولى منصبه في إبريل الماضي، على الفور إطلاق سراح عشرات الآلاف من السجناء، وفتح شركات مملوكة للدولة للاستثمار الخاص، ووافق على اتفاق سلام مع منافسة البلاد، إريتريا.
الزيارات الخارجية:زيارة مصر:
وفى اطار النسق الخارجى..والاقليمى خصوصا لاثيوبيا..ظهر واضحا عودة التفاوض بقوة مع مصر وخاصة فى اطار زيارته مؤخرا لمصر”قبيل نهاية شهر رمضان ,فى يونية الماضى” بصحبة وفد رسمي مكون من وزيري الري والكهرباء. ولقاءه مع الرييس السيسى والتفاهمات العديدة الناتجة عن اللقاء وابداء حرصه على التشاور الدائم مع مصر ومحاولة تسوية ملف سد النهضة.. ووفقا لما ذكره المحلل “حازم حسين” فان-ذلك-يأتى في إطار تحركات سياسية ودبلوماسية لتأسيس مرحلة جديدة من التوافق المصري الإثيوبي، تحت عنوان الشراكة والتفاهم العميق في ضوء الحقوق التاريخية والتطلعات التنموية والمصالح المشتركة.
الزيارة في توقيتها ومدتها وما شهدته من نقاشات وحوارات، تحمل دلالات مهمة فيما يخص تحولات العلاقة ومسارات التفاوض في مسألة سد النهضة، ولعل المدخل الأول لقراءة أهميتها الاستراتيجية يبدأ من اختيار رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد مصر لتكون محطة متقدمة ضمن قائمة زياراته الأولى، بما يحمله هذا الترتيب والتفضيل من أبعاد تشير إلى تفاهمات عميقة ورؤى مشتركة جرت في نهر العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا.
حيث قام الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الأثيوبي بعقد جلسة مباحثات ضمت وفدى البلدين، حيث رحب السيد الرئيس بالسيد/ أبيى أحمد في أول زيارة له لمصر بعد توليه مهام منصبه، مشيراً إلى ما تمثله الزيارة من رسالة قوية وواضحة بشأن حرص الجانبين على تطوير العلاقات الثنائية. كما أكد سيادته على الاهتمام الخاص الذي توليه مصر للعلاقة مع إثيوبيا، وحرصها على تعزيز التواصل والتعاون وترسيخ مفاهيم العمل المشترك من أجل تحقيق مصالح البلدين، في إطار إعمال مبدأ المنفعة للجميع وعدم الإضرار بمصالح أي طرف، وبما يُحقق التنمية والرخاء والازدهار للشعبين الشقيقين، ولقد اتفقا خلال المباحثات على تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة المقبلة، وتقديم كافة التسهيلات الممكنة من الجانبين بغرض تحقيق ذلك ودعم الاستثمارات المشتركة، بما في ذلك إقامة منطقة صناعية مصرية في إثيوبيا، وتشجيع مزيد من الاتفاقات بين القطاع الخاص المصري والإثيوبي لاستيراد اللحوم الإثيوبية، فضلاً عن التعاون في مجالات الاستثمار الزراعي، والثروة الحيوانية، والمزارع السمكية، والصحة، بما يفضي لتعزيز التكامل الاقتصادي بين مصر وإثيوبيا، وتقديم نموذج ناجح للتكامل المطلوب أفريقياً.
كما جدد الجانبان عزمهما على التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن سد النهضة يؤمن استخدامات مصر المائية في نهر النيل، ويسهم في ذات الوقت في تحقيق التنمية والرفاهية للشعب الإثيوبي الشقيق. وتم أيضاً التوافق حول تفعيل ما سبق الاتفاق عليه بين مصر وإثيوبيا والسودان، بشأن إنشاء صندوق ثلاثي لتمويل مشروعات البنية التحتية بما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، وأهمية البدء في اتخاذ خطوات تنفيذية لإنشاء الصندوق.
كان رئيس الوزراء الاثيوبى قد ذكر خلال زيارته الى السودان –والتى سبقت زيارته لمصر-وخلال مؤتمر صحفى مشترك مع الرئيس السودانى فى العاصمة الخرطوم، إن أديس أبابا تتفهم مسألة تقاسم المياه بين مصر والسودان وإثيوبيا، بمسئولية كبيرة وتحرص على تحقيق الفائدة للقاهرة والخرطوم، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السودانية “سونا”.وقال رئيس الوزراء الإثويبى: “ليس لدينا نية بأن يتضرر السودان أو مصر وأن اتفاق المبادئ سيساعد الدول الثلاث على خفض الجانب السلبي، وتعزيز مصلحة السودان ومصر وإثيوبيا من المشروع”….بل أن الرجل أقسم خلال زيارته لمصر أنه سوف لا يضر بحصتها من المياه.
ولعل نجاح مصر وإثيوبيا في قفز الخلافات غير الحقيقية في جوهرها، والتي تسببت فيها أطراف إقليمية ودولية أرادت شحن المنطقة والوصول بها لذروة السخونة الممكنة، يعني نجاحا مباشرا في استغلال موارد القارة لصالح أبنائها، بعيدا عن أطماع الوافدين والمستغلين لتذبذبات العلاقات، وإذا تأسس التعاون بين القاهرة وإثيوبيا على يقين حقيقي ومشترك بوحدة المصير والهدف، فهذا يعني أنه يمكن الانطلاق سريعا نحو مشروعات تنموية عديدة، في الزراعة والصناعة والتجارة المشتركة، ويعني قدرة أكبر على ترويض النيل ومنابعه، بما يضمن تحسين حياة الإثيوبيين، واستصلاح مزيد من الأراضي، وزيادة إنتاج إثيوبيا من الكهرباء، وإقامة شبكة للربط الكهربائي مع مصر، لتحقيق مزيد من العمران والقفزات الصناعية والتنموية، وفي القلب من هذا صيانة حصة مصر من المياه، بل وزيادتها بقبول وترحيب ومباركة من الأشقاء في المنابع.
العلاقات الايجابية مع دول الجوار:
ايضا هناك العديد من الملفات الايجابية الاخرى فى النواحى الاقليمية من بينها العلاقات مع السودان وجنوب السودان والاتفاق الموقع اخيرا باديس ابابا..ثم العمل على تسوية النزاع الدائم مع اريتريا منذ التسعينيات ..وهو ما تم ترجمته فى زيارته التاريخية مؤخرا لاريتريا وما نجم عنها من نتايج هامة…وهو حقيقة مااشعرنى بالسعادة البالغة ليس فقط كباحث ومهتم بالشأن الافريقى والاثيوبى بل وايضا محب للود والتصالح بين الاشقاء…خاصة وان النزاع الاثيوبى-الاريترى منذ تسعينيات القرن الماضى أصاب البلدين بأضرار بالغة فاقت ال٣ حروب التى اندلعت بين الجانبين…ولم تفلح محاولات التسوية منذ اتفاق الجزائر عام ٢٠٠٠ ..والتحكيم الصادر بين الجانبين..ومبادرة النقاط الخمس الصادرة من الجانب الاثيوبى فى التئام العلاقات بين البلدين.. ولاشك أن إنهاء الحرب الباردة بين البلدين سوف تعود بالنفع عليهما وتسمح بتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليهما ولاسيما إرتريا التي سوف تستفيد من نموذج النمو الإثيوبي. أما إثيوبيا فسوف تعود تجارتها إلى موانىء عصب مرة أخرى بما يقلل من اعتمادها على جيبوتي.
وكماذكر د.حمدى عبد الرحمن-يرتبط توافق البلدين بحالة الاندماج الإقليمي في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا. فثمة احتمال كبير بالمضي قدما في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية والربط الكهربائي. وعليه سوف تساعد حالة السلام في القرن الأفريقي على تحقيق سياسات الإصلاح الاقتصادى .لكن التحدي الأكبر سوف يتمثل في المطالب السياسية وفتح المجال العام لاستيعاب جموع الشباب التي تشكل غالبية السكان في المنطقة.
رؤية مستقبلية :
ولعلى لا ابالغ اذا قلت ان هذا الرجل الحكيم والهادىء والمتزن والدارس بوعى للقضايا السياسية والاقتصادية التى تواجهها بلاده جاء فى وقت نحن جميعا فى أشد الحاجة اليه لنسمع صوت العقل الراجح والتفكير الواعى الذى يجمع ولايفرق..ينظر الى أبعد من قدميه والى المصالح الاستراتيجية لبلاده وعلاقاتها بجيرانها بكل حيادية.
واذا كانت محاولة الاغتيال الفاشلة بكل بشاعتها -وايا كانت القوى الرجعية-التى تكمن وراءها..كانت تستهدف النيل من رمز هذا المشروع الاثيوبى الوليد والناشىء لاعادة الاستقرار والامن لواحدة من اهم دول القرن الافريقى ..بل والقارة برمتها ..واصلاح علاقاتها السياسية مع جيرانها..وتغليب مصالح الامن القومى والمصلحة الحقيقية للشعوب على حساب المصالح المحدودة والوقتية والتى وان كانت تظهر أنها فى صالح اثيوبيا على المدى القصير لكنها تضر بصالح كل الاطراف على المديين:المتوسط والبعيد.
وكماذكر الزميل بدر شافعى :فان نموذج الشاب أبيي أحمد الذي ورث تركةً خارجية مثقلة، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة مع بعض دول الجوار، وفي مقدمتها إريتريا، إذ أدى عدم التسوية الفعلية للحرب بينهما منذ 18 عاما إلى تحول إثيوبيا إلى دولة حبيسة، بعدما كانت إريتريا ومينائيها: مصوع وعصب، بوابتها للعالم الخارجي استيرادا وتصديرا، ناهيك بعلاقة متوترة دائمة مع الصومال، لا سيما منذ بروز المحاكم الإسلامية 2006، وسعي أديس أبابا إلى إضعاف الحكومات الفيدرالية هناك، حتى لا تطالب بإقليم الصومال الغربي (أوجادين) الذي ضمته إليها بعد حرب 1977، ولم تقم الحكومات الإثيوبية المتعاقبة بتحسين أوضاع أبناء الإقليم الذي تطالب بعض فصائله بالعودة إلى الصومال الوطن الأم. لذا سعى أبيي أحمد إلى اتخاذ خطوات ربما غير مسبوقة في بعض الملفات الخارجية مع دول الجوار الست (السودان، جنوب السودان، كينيا، جيبوتي، إريتريا، الصومال).
ولم تتوقف سياسة أبيي عند تحسين العلاقات المتدهورة مع الجيران رغم أهميتها، وإنما شملت أيضا توطيد علاقات قائمة لا سيما مع كل من السودان وجيبوتي، حيث وقع اتفاقا يسمح لبلاده بالحصول على حصة في ميناء بور سودان الهام على البحر الأحمر، وكذلك الحصول على حصة في ميناء جيبوتي يتم استخدامها في تصدير النفط والغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه في منطقة الأوجادين، وتم البدء في إنتاجه قبل أيام.
إذاً، يهدف أبيي من هذه الخطوات وغيرها إلى إيجاد بيئة خارجية مستقرة، تساعده على المضي في خطواته الإصلاحية الداخلية، وفي حربه ضد الدولة العميقة المتمثلة في التيجراي، أصحاب النفوذ في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. ويعتقد الرجل أن المواجهة لن تكون سهلة، بل ربما يستقوي هؤلاء بالخارج من أجل إطاحته. ومن هنا، هو يعمل ليس فقط لتحييد الخارج، وإنما للحصول على دعمه وجذب استثماراته، لا سيما في ظل إدراكه أن المشكلات السابقة في البلاد ترجع، في أحد جوانبها، إلى مشكلة التوزيع العادل للعوائد الاقتصادية التي كانت تذهب غالبيتها للتيحراي، في مقابل حرمان الغالبية الساحقة منها، وفي مقدمتها الأورومو التي يتحدر منها. اذن فهل سينجح الرجل في هذه المواجهة التي يبدو أن خصومه ضاقوا بها، وحاولوا التخلص منه في أول ظهور جماهيري له وسط مؤيديه، أم أنهم سيعاودون الكرة، ولن يستريحوا حتى يطيحوه قبل 2020 حيث الاستحقاق الانتخابي المقبل….عموما نتمنى له الدوام والاستقرار وأن يحظى بتأييد شعبى كبير يتناسب مع قدراته وتوجهاته واصلاحاته.