الاداة الاقتصادية في السياسة الإيرانية تجاه أفريقيا

بقلم: م. د. ضاري سرحان حمادي
كلية العلوم السياسية / جامعة تكريت

تعد الاداة الاقتصادية من أهم أدوات التحرك الإيراني ازاء أفريقيا، فمعظم دول القارة الأفريقية تعاني من أزمات اقتصادية، وهذا الامر فسح المجال لإيران لتقديم مساعدات وتنفيذ برامج تعبر عن فهم حقيقي لما تحتاجه دول القارة، فإيران تقيم السدود والجسور وتساعد الدول الأفريقية في مجالات الزراعة والتنقيب عن النفط وتعبيد الشوراع والسكن، كما تمتلك إيران اداة مهمة تستخدمها في تحقيق اهدافها الاقتصادية، ولا سيما في اقليم غرب أفريقيا ألا وهي دبلوماسية النفط والتي تعني تخفيض انتاج النفط من أجل رفع أسعاره.
وعلية سوف نتناول الموضوع في ضوء المحاور الاتية:
أولاً- تاريخ الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية:
ثانياً- أهداف السياسة الاقتصادية الإيرانية تجاه أفريقيا:
ثالثاً- دبلوماسية النفط:
رابعاً- دعم المشاريع وتقديم المساعدات:
خامساً- المؤسسات الاقتصادية الإيرانية:
سادساً- استغلال احتياطي الدول الأفريقية من اليورانيوم:
أولاً- تاريخ الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية:
يعود الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية الى عقد الستينات من القرن العشرين، إذ بدأت إيران اثناء مرحلة حكم الشاه، وبعد استقلال دول القارة الأفريقية في تأسيس علاقات مع الدول الأفريقية، ونتيجة للاضطرابات التي أعقبت الثورة، واندلاع الحرب الخليج الاولى تراجع اداء التحرك الإيراني ازاء الدول الأفريقية، بيد انه مع بداية التسعينات بدأ وتيرة الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية يتصاعد، واتساقاً مع ذلك قامت إيران بتشكيل لجنة أفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على أهمية القارة الأفريقية في المدرك الاستراتيجي الإيراني.
ثانياً- أهداف السياسة الاقتصادية الإيرانية تجاه أفريقيا:
تسعى ايران عبر استخدام الاداة الاقتصادية في سياستها الخارجية ازاء أفريقيا الى تحقيق عدة أهداف منها:
1. الانفتاح الاقتصادي على الدول الأفريقية.
2. تعزيز التبادل التجاري والتنسيق في استكشاف الموارد الاقتصادية في ظل احتفاظ دول القارة الأفريقية باحتياطيات ضخمة في المواد خام الطبيعية، كما ان القارة تعد سوق مؤاتية للمنتجات الإيرانية.
3. اقامة بعض التكتلات الاقتصادية مثل التكتل الأفريقي – الاسيوي.
4. الاستفادة من الاسواق الأفريقية في بيع بضائعها والحصول على ما يلزمها من منتجات حيوانية وزراعية من الدول الأفريقية.
ثالثاً- دبلوماسية النفط:
يعد النفط أحد المرتكزات الرئيسة التي تعول عليها إيران في تعاونها مع دول غرب أفريقيا، إذ تر إيران ان تعاونها مع هذه الدول سيسمح لها بالتنسيق مع الدول الأفريقية للحفاظ على اسعار النفط وتفعيل منظمة أوبك، وجدير بالذكر ان اقليم غرب أفريقيا يضم دول تحتل أهمية في الانتاج العالمي للنفط مثل أنجولا التي المرتبة السادسة، ونيجيريا التي تحتل المرتبة السابعة، ثم الجابون وتأتي في المرتبة الثامنة، وتجدر الاشارة الى ان إيران تعد من المصدرين الرئيسيين للنفط الخام الى دولة نوب أفريقيا، إذ وفرت لها أكثر من (35 %) من واردات النفط في العام 2012.
رابعاً- دعم المشاريع وتقديم المساعدات:
أ‌. السنغال:
لقد شرعت إيران في توسيع استثماراتها في القارة الأفريقية ، أذ قامت بانشاء مصنع لتجميع وتركيب السيارات في السنغال، ويعد هذا المصنع من أهم وأكبر مصانع تجميع السيارات في غرب أفريقيا، ولا تنظر إيران لى السنغال على انها سوقا تجارية فقط، وانما لنقل خبراتها في مجال العلوم والتكنولوجيا والتقدم الصناعي والاقتصادي، إذ تتمتع السنغال بموقع جي\ في السياسة الخارجية الإيرانية، فهناك مؤشرات تدعم التحرك الإيراني ازاء السنغال منها حاجتها الى المساعدة الإيرانية في بناء المطارات وصناعة السيارات والسكك الحديدية، وتوظف إيران استثماراتها في المشاريع الاقتصادية والتنموية في السنغال، كما ابرمت شركة إيران خودرو وهي أكبر شركة لصناعة السيارات في الشرق الاوسط اتفاقا مع السنغال لإنتاج سيارة سامند في السنغال بكلفة (6,82) مليون دولار وبطاقة انتاجية تصل في المرحلة الاولى الى خمسة الاف سيارة وتبلغ في المراحل التالية ما بين 15 – 2- الف سيارة، كما وعدت إيران السنغال بإقامة مصنع للجرارات ومصفاة للبترول ومصانع كيماوية، فضلاً عن تزويدها بالنفط وبأسعار رخيصة.
ولم يقتصر التعاون الاقتصادي بين الدولتين في هذا المجال فقط، وانما شمل قطاعات أخرى مثل الطاقة والمعادن وبالرغم من أن السنغال دولة صغيرة من حيث عدد السكان الا انها تعد من أهم مراكز النفوذ الإيراني في غرب أفريقيا، وذلك بسبب ما تحظى به السنغال من نفوذ دبلوماسي قوي في مجموعة الدول الفرانكفونية في أفريقيا ومنظمة الامم المتحدة.
ب‌. كينيا:
لقد كان لزيارة الرئيس الإيراني محود أحمدي نجاد الى كينيا في العام 2009 أثر بارز في دعم وتطوير العلاقات الإيرانية – الكينية، ومن نتائج هذه الزيارة منحت إيران قرضاً لدولة كينيا يقدر بحوالي 10 مليون دولار، كما أبدت إيران استعدادها على تقديم المساعدة تقديم المساعدة اللازمة لكينيا في مجالات بناء المساكن والصحة والتعليم، كما طلبت من الجانب الإيراني مساعدتها على الاستفادة من الطاقة النووية في توليد الكهرباء.
كما تحركت إيران باتجاه تنفيذ مشاريع إعماريه في دولة كينيا مثل مشاريع شق الطرق، وفي هذا الخصوص أشار وزير الخارجية الكيني موسى تانجولا الى ان (5 %) من شركات القطاع الاهلي الإيراني تشارك في تنفيذ المشاريع، كما أوضح الوزير الى ان التبادل التجاري بين الدولتين بلغ نحو (100) مليون دولار سنوياً، كما أكد الوزير على ان الدولتان تتطلعان الى رفع مستوى التبادل التجاري الى مليار دولار سنويا، ومن أجل تطوير العلاقات الإيرانية – الكينية أشار وزير الخارجية الإيراني آنذاك منوشهر متكي الى ان إيران تضع ضمن جدول أعمالها انشاء مراكز تجارية في كينيا خلال العام 2010.
ج. زيمبابوي:
لم يقف التحرك الإيراني عند دول معينة من القارة الأفريقية ففي شهر نيسان من العام 2010 زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد زيمبابوي، وخلال تلك الزيارة تفقد الرئيس الإيراني أقسام مصنع مونتزون في العاصمة هراري، وقد رافقة الرئيس الزيمبابوي موجابي أثناء جولته بالمصنع، ثم أفتتح الرئيسان خط انتاج مصنع الجرارات بزيمبابوي، وتم خلال تلك الزيارة التفقدية دخول أول شحنة جرارات إيرانية الى زيمبابوي، كما تم تشييد مصنع موتيرا بمشاركة شركة الاستثمار الخارجي التابعة لوزارة الاقتصاد الإيرانية وشركة صناعة الجرارات الإيرانية بالتعاون مع شركة أي دي سي بزيمبابوي من أجل تجميع الجرارات الإيرانية داخل زيمبابوي.
د. دول أفريقية أخرى:
أكد المسؤولون الأفارقة على أهمية الدعم الإيراني في تطوير القطاع الصناعي في الكثير من الدول الأفريقية، وبهذا الصدد أشاد وزير الخارجية النيجيري خلال زيارته لإيران في شباط من العام 2010 بأهمية المساعدات الإيرانية لتطوير صناعة الطاقة في نيجيريا.
وقد كان لشركات صناعة السيارات في إيران دوراً مهماً في اظهار إيران كداعم اقتصادي مهم في أفريقيا، وفي هذا السياق ظهر تقرير يؤكد أن شركة خودور وخلال شهر نيسان من العام 2010 تنوي تصدير (500) سيارة ركاب، فضلاً عن (250) حافلة الى موريتانيا.
ومن جانب آخر قدمت إيران لإثيوبيا الكثير من المساعدات في المجال الزراعة وبناء السدود والمعونات الفنية.
كما قامت إيران بإنشاء جسر جاو على نهر النيجر، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية قدمت إيران المساعدة لها لتطوير قطاع الصحة ، إذ قامت بتشييد مستشفى كينشاسا، فضلاً عن تقديمها المساعدة في مجال التكنولوجيا البترولية.
خامساً- المؤسسات الاقتصادية الإيرانية:
من بين الادوات الاقتصادية التي تستخدمها إيران لتنفيذ أهدافها في القارة الأفريقية مجموعة من المؤسسات الرسمية والمنظمات الخيرية مثل مؤسسة البنياد وهي مؤسسات خيرية تعمل بمعزل عن سيطرة الحكومة وتمثل كيانات اقتصادية عملاقة وتمتلك امكانيات كبيرة، وكذلك مؤسسة المستضعفين والشهيد الامام الرضا والخامس عشر من خرداد، وتمارس هذه المؤسسات أنشطة مختلفة تمتد من التجارة الى الصناعة، فضلاً عن تقديم الخدمات الاجتماعية، وهي معفاة من الضرائب الاجتماعية وتتبع المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الإيرانية.
سادساً- استغلال احتياطي الدول الأفريقية من اليورانيوم:
تحاول إيران استغلال مخزون اليورانيوم في القارة الأفريقية لدعم برنامجها النووي، ففي أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى زيمبابوي في العام 2010 أبرمت إيران مع زيمبابوي صفقة سرية لاستخراج اليورانيوم، وبموجب هذه الصفقة سيتاح لإيران أت تحصل على ما يقدر (45) الف طم من اليورانيوم الخام، علما ان الاتفاق رفض من قبل برلمان زيمبابوي، وذلك بسبب الضغوط الدولية التي فرضت على هذه الصفقة، وفي السياق ذاته تحركت إيران باتجاه تطوير علاقاتها مع النيجر وهي أحدى دول غرب أفريقيا والتي تعد أكبر دولة منتجة للنفط لليورانيوم في العالم، وهذا يشير الى ان إيران تحاول جاهدة أن تقيم علاقات مع الدول الأفريقية الغنية باليورانيوم فهي بحاجة اليه لدعم برنامجها النووي.
ومن خلال ما تقدم يتضح الاتي
1. ان العامل الرئيس الدافع للتحرك الإيراني ازاء القارة الأفريقية هو التقاء الطموح الإيراني هو الحاجة الأفريقية لاسيما الاقتصادية، وهذا الامر خلق فرص تعاون بين الجانبين.
2. أهمية دول القارة الأفريقية في الفكر الاستراتيجي الإيراني.
3. تركيز إيران على الاداة الاقتصادية باعتبارها الاداة الانجح لتحقيق أهدافها ومصالحها في القارة الأفريقية.
4. تركز إيران في تحركاتها تجاه دول القارة الأفريقية على دبلوماسية النفط، باعتبارها الدبلوماسية التي تستطيع من خلالها اقامة علاقات متميزة مع دول القارة.
5. اعتمدت إيران على ورقة المساعدات والقروض نظراً لحاجة دول القارة الأفريقية للمساعدات والقروض.
6. تعد المؤسسات الاقتصادية والتي هي ذات امكانيات مالية كبيرة من أهم الادوات التي تستخدمها إيران من اجل تحقيق أهدافها ومصالحها في دول القارة، ومن أهم هذه المؤسسات مؤسسة البنياد ومؤسسة المستضعفين والشهيد الامام الرضا والخامس عشر من خرداد.
7. سعي إيران الحثيث من أجل عقد اتفاقات مع دول القارة الأفريقية لمساعدتها فنياً لاستخراج احتياطي اليورانيوم، وذلك من أجل دعم وتطوير برنامجها النووي.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *