أحمد سيكوتوري.. وحلم الوحدة الأفريقية

بقلم: رشا العشري

يعد الفكر السياسي من أهم الأفكار التي أثرت على القارة الأفريقية بشكل كبير، والذى بدأ مع أفارقة الشتات الذين عانوا من الاضطهاد العنصري والتهميش أمثال ماركوس جارفي، ووليام ديبوا، والشيخ انتاجوب، وستيف بيكو، وولتر رودنى، وغيرهم من المفكرين الأفارقة، الذين كان لهم دور كبير في إعلاء الفكر الأفريقي ومجابهة الاضطهاد والتفرقة العنصرية، التي كانت تمارس على الأفارقة الزنوج أنذاك، وذلك من خلال الفكر الذي أعلى من شأن الإنسان الأفريقي، وأثبت أن الزنوج ذو حضارة وتقدم فكرى، بل أخذت من أفكارهم شعوب العالم التي بنت حضارتها أمثال الحضارة الأوروبية؛ وقد انتقل الفكر السياسي من أفارقة الشتات إلى المفكرين في القارة الأفريقية الأم وأثّر عليهم تأثيرًا كبيرًا أمثال كوامي نكروما، وليوبلد سنجور، وكينياتا، وجمال عبد الناصر وأحمد سيكوتورى، وغيرهم من المفكرين الأفارقة الذين أثاروا فكرة الوحدة الأفريقية وقضية الزنوجة.
فقد كان الفكر الأفريقي باعتباره فكر حضاري له الدور في إنشاء ممالك وحضارات أفريقية قبل الاستعمار، وبعد الاستعمار كان دوره بارزاً في حركات التحرر والمناداة بحق تقرير المصير، لذلك كان بعض المفكرين الزعماء قاطرة نحو تحقيق حلم الوحدة والتحرر والمناداة بالاستقلال.
من هنا كان الزعيم الغيني أحمد سيكوتوري أحد أهم الزعماء الأفارقة الذين كان لهم دور في تحقيق حلم الوحدة الأفريقية والإعلاء من شأن المواطن الأفريقي، فقد ترك حياته العادية واتجه إلى العمل السياسي الذى أثّر على فكره ، وكان الاستعمار أحد أهم العوامل التي أثرت على اتجاهاته الفكرية، لذلك استطاع بنضاله وكفاحه تحرير غينيا من الاستعمار الفرنسي، حيث كانت له رؤية سياسية بالنسبة لتحرير القارة من الاستعمار وخاصة دولته، والتي أدت إلى سعيه لتحقيق الوحدة الأفريقية بين شعوب القارة أجمع، ترجمت بعد ذلك إلى إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية.
وذلك بالإضافة لتأثره بالدين الإسلامي الذى تربى عليه، وكان له دور أيضًا في جعل سيكوتوري يصطدم بالشيوعية، فعلى الرغم من أنه كان من أنصارها إلا أنه تصادم معها نتيجة تناقضها مع عقيدته الاسلامية؛ حيث كان هذا التأثير له مردوده أيضًا على فكره وذلك في سعيه لإقامة وحدة إسلامية، تحققت بالفعل من خلال منظمة المؤتمر الاسلامي.
من هنا يأتي سؤال مفاده هل كان فكر سيكوتورى لديه قابلية للفكر المعاصر؟، نجد أن فكره كان تنويريًا قابل للحداثة والمعاصرة، فحديثه عن الوحدة الأفريقية وتحقيق حلم ربط الشعوب الأفريقية بعضها ببعض قد تلائم مع العديد من الأفكار التي طرحت على ساحة الفكر السياسي كفكر وليام ديبوا عن الجامعة الأفريقية، وفكر ماركوس جارفي عن العنصرية وعدم التقليل من شأن الإنسان الأسود، وأن له حقوق كاملة مثله مثل الإنسان الأبيض، وذلك بغض النظر عن العنصرية في فكر جارفى، التي تميل إلى تمجيد الجنس الأسود على حساب الأبيض وباقي الشعوب الملونة.
إذن فإن فكر سيكوتورى يعاصر الأفكار الحديثة، التي تتحدث عن الوحدة الأفريقية، والتي آثارها أفارقة الشتات، ولم يحيد عن الفكر المعاصر بل عاصره من ناحية الحداثة والاعتماد على الذات والاستقلالية وعدم التبعية والاعلاء من شأن الإنسان الأفريقي والعمل الجماعي، وذلك من خلال إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية؛ فضلاً عن كون هذه الأفكار لديها قابلية للتطبيق المعاصر، فالأفكار التي تحدث عنها سيكوتوري سواء عن الوحدة الأفريقية، ومجابهة الاستعمار، والحفاظ على الهوية الأفريقية قد تم تطبيقها بالفعل، فقد سعى للحصول على الاستقلال لبلاده ومجابهة الاستعمار حتى حصلت غينيا على الاستقلال عام 1958، وفى سعيه للحفاظ على الهوية الأفريقية أنشأ الحزب الديمقراطي، الذى كان يهدف إلى ضم كافة أطياف الشعب المختلفة لغويًا وثقافيا وتحطيم الصفوة المثقفة التي نمت تحت وطأة الاستعمار، كما حاول من خلال ذلك الرجوع إلى الهوية الأفريقية التي أذابها الاستعمار الفرنسي من خلال نشر ثقافته وتعليمه الذي عمل على تفريغ الشخصية الغينية من محتواها الأصيل واضفاء الطابع الغربى عليها ، لذلك كان يدعو سيكوتورى إلى الراديكالية بالمعنى الأصولي أي العودة إلى المبادئ والقيم الأصلية والتمسك بها.
أيضًا سعى إلى تحقيق الوحدة الأفريقية من خلال المشاركة مع الزعماء الأفارقة ومنهم الزعيم المصري جمال عبد الناصر، والزعيم الجزائري أحمد بن بله، وكذلك الزعيم الغيني كوامى نكروما، وغيرهم من الرواد الأوائل الذين نشأت على أيديهم منظمة الوحدة الافريقية، حيث كان هناك سعى من الدول الأفريقية الناشئة لإقامة اتحاد بين الدول الافريقية المستقلة، وعلى إثر ذلك تم عقد مؤتمر “جميع الشعوب الأفريقية عام 1958″ ، وفى نفس العام أنشئ ” اتحاد الولايات المتحدة الأفريقية الغربية ” بين دولتي غانا وغينيا، حيث انضمت مالي لهذا الاتحاد الفيدرالي عام 1961؛ وبغض النظر عن عدم استمراريته إلا أنه كان بادرة أمل نحو الوحدة الأفريقية .
يليها سعى سيكوتورى نحو الوحدة العربية الأفريقية الإسلامية، وذلك من خلال إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي الذى تحقق بالفعل بالمعاونة مع الملك فيصل من خلال لقائهما عام 1964، هذا وبالإضافة إلى رفضه مصطلح “الاسلام السياسي” ووضع بدلاً منه مصطلح “السياسة الإسلامية” بمعنى أن تعمل السياسة في نطاق الإسلام لا أن يكون الإسلام مُسخّرًا لأهداف سياسية، وهى فكرة سديدة لعدم التصاق أي أفكار سياسية متطرفة بالدين.
وعلى صعيد موقفه من القضية الفلسطينية فقد قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وطرد العديد من الإسرائيليين، بالإضافة إلى تقديم مساعدات إلى الجانب العربي، وكذلك تأييده للعرب في حرب 1973 بعد أن كان قد اتجه إلى عدد من الدول الأفريقية ساعيًا لقطع علاقاتها مع إسرائيل .
كما قام بدور كبير في إعادة مصر الى منظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك بعد أن قاطعت الدول الإسلامية والعربية مصر لتوقيعها اتفاقية السلام مع اسرائيل، وكانت كلماته التي ألقاها في المؤتمر قوية ومؤثرة وتوضح رؤيته الثاقبة، حيث قال عن أمر مقاطعة مصر ” لقد كشفت لنا قطيعة مصر أن مشاكلنا لا تحل بهذه الإدانة، بل على العكس من ذلك، فقد ازدادت تعقيدًا لأننا صرنا أكثر ضعفًا، فبعد إبعاد مصر وتعليق عضويتها ضمت إسرائيل القدس، وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية مهددة بالإبادة، وباتت سوريا تتعرض لاستفزازات متصلة، وهكذا دفعنا ثمنًا غاليًا لفرقتنا”. ذلك بالإضافة إلى محاولاته لوقف نزيف الدم بين العراق وايران، والزيارات العديدة التي قام بها للدولتين إلا أن الطرفين كانوا في تعنت شديد ولم يوافق أي منهم على تقديم تنازلات مما أدى في النهاية الى فشل محاولات حل النزاع بين الطرفين سلميًا.
ما يوضح مدى الدور الذي قام به الزعيم أحمد سيكوتورى في تسوية القضايا العربية والإقليمية، والسعي للترابط العربي العربي، ومواجهة المستعمر من خلال السعي للوحدة والتكاتف العربي والأفريقي معًا.
يرى بعض الباحثين أن فكر سيكوتورى ربما يحوى على تناقضات، فرؤيته عن الوحدة الأفريقية وحقوق الإنسان الأفريقي تتناقض مع تطبيقه لسياسته على أرض الواقع في فترة زعامته في غينيا، حيث كان يرى الكثير أنه ديكتاتور، وقضى على المعارضة بالقتل والاعتقالات، ورفض مبدأ التعددية الحزبية، وهذا يقود الباحثين إلى التشكيك فيما قدمه للقارة الأفريقية سواء عن وحدة الشعوب الافريقية أو حقوق الانسان الأفريقي من خلال مجابهة الاستعمار.
خلاصة القول أن تلك الرؤى لا تنفي ما قدمه الزعيم الأفريقي من أفكار حول تحقيق الوحدة الأفريقية تمثلت في إنشاء منظمة التحرير الأفريقية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها ما يؤكد أن رؤاه كانت صحيحة بغض النظر عن ممارساته داخل دولته، خاصة في ظل السعي للتحرير من الاستعمار الذي كانت تعاني منه العديد من دول القارة لاسيما المناداة بحقوق الإنسان الأفريقي الأسود وأنه لا يقل في فكره عن الإنسان الأبيض.
وما بين الماضي في حلم تحقيق الوحدة الافريقية والحاضر في محاولة تطبيق هذا الحلم، وذلك من خلال تطبيق التكامل الأفريقي الذي تجسد في إنشاء العديد من المنظمات الإقليمية والقارية مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة الكوميسا والايكواس والسادك والإيجاد ومجموع الساحل والصحراء وغيرها من الاتحادات الأفريقية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، تحاول القارة الأفريقية أن تحقق التكامل والوحدة بين دولها على كافة الأصعدة، وقد عزز ذلك سعي تلك الدول على تحقيق التنمية وحل قضايا القارة الأفريقية لاسيما على الصعيد الاقتصادي والأمني من خلال تلك التكتلات، إلا أن هناك تحديات مازالت تواجهها في ظل تصاعد العديد من الإشكاليات المعقدة والتي يتمثل بعضها في قضايا الإرهاب والفساد والجريمة المنظمة وغيرها، لتظل تلك الإشكاليات وغيرها عائقًا أمام تحقيق الوحدة الأفريقية.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *