بقلم/ د. محمد البشاري
على تعدد النماذج سواء القريبة أو البعيدة، ورغم اختلاف مساحات البلدان وطبيعة شعوبها بل والظروف التي تحيط بها، إلا أنها تمر جميعها وبلا استثناء طبقاً لطبيعة الكون، في غمامة زمانية ومكانية، ويعيش شعبها في ظروف لم تسبق لهم مواجهتها، وبعد الخروج من عنق تلك السحابة العابرة، إما أن ترنو نتائجها بالشعوب وتزهو كما لم تكن من قبل، وإما أن تخنع عنوةً لبعض العثرات والأزمات متأخرةً عن جريان نهر التطور العالمي.
وحين كان الشباب هم معول الدول في نهضتها وتطورها وازدهارها الحقيقي، لزم صون هذه الطبقة «النفيسة»، والدفع بها من فوهة التردد والتشكيك بقدراتها ومقدراتها، والغوص في «وهم الوهن» الذي خلفه الماضي، لتعلو أفريقيا جديدة بهمم شبابها فوق كل التحديات والصعوبات، التي تجول في أرجاء المنطقة، وإزاحتها عن ظهور أبنائها العازمة على ازدهار الخير والعطاء والبذل ل «إفريقيا جديد»، ولإفريقيا غنية بشعب غني، بسواعد شبابها المسلم.
إن إفريقيا لا تحتاج لبذل الغالي والنفيس، للنهوض بها إذ تعتبر أرضاً ل «الغالي والنفيس»، فهذه القارة الثانية عالمياً مساحةً وكثافةً سكانية، تعتبر الأولى كدولة فتية تعيش على أراضي مطمورة بالثروات المتعددة، والتي ضمت على المستوى العلمي أعرق الجامعات، من جامعة تومبكتو في مالي، والأزهر الشريف في مصر، والزيتونة في تونس والقرويين في المغرب، إلى جامعة «ماكيريري Makerere University» في أوغندا، و «جامعة ويت واترز راند University of the Witwatersrand»، التي حاز عدد من خريجيها على جائزة نوبل في أكثر من مجال، مما يؤهلها للوقوف في مصافي الدول لتراهن على «العالمية»، وتمكنها من مواكبة السبق الحضاري.
“أفريقيا الغد” هي أفريقيا القالبة لمعايير المحن إلى منح، وكاسرة للقيود المشككة بقدرتها وأهليتها لتكون قارة لعالم الغد، باستثمار السواعد الأفريقية، ووقف نزف الهجرات، والالتفات بجدية لجيل أفريقي صاعد يضع يده بيد حكوماته النبيهة، ملاشياً لجوانب التهميش كافةً سواء أكانت تعليمية أو اقتصادية أو صحية، مما سيؤدي للنهوض بمستوى الشاب الأفريقي المسلم، ليكون ذراعاً يميناً وحصناً منيعاً مندمج الرؤى والأهداف مع حكومته الرشيدة في مجالاتها كافةً، لنجدد شباباً أفريقياً مسلماً حالماً، بعيداً عن آفة البطالة، سامياً عن وباء الفقر، نقياً من بؤر الجهل والأمية، ووائداً لمظاهر العصبيات القبليات والإثنيات الساعية لشحن الفكر بالتطرف والحقد على الماضي، متسلحاً بالعلم والمعرفة، واجداً رحابة أقسام البحوث والدراسات في الجامعات والمراكز البحثية محتضنةً لقضايا الشباب المسلم كافةً، ودراسة معوقات التنمية فيها.
وفي هذا السياق كان لابد من إيلاء القارة السمراء جهودنا المتواضعة مقارنةً بقدرها وإمكاناتها، للخروج بدررها الشابة من ذوي الطموح الذي يعانق السماء، ولبذرة الإرادة المتعطشة للولادة والانتشار وخلق «أفريقيا جديدة»، وليكون هذا الشباب محافظاً في الوقت ذاته على تعدده الثقافي وموروثه الغني بالتسامح والتعايش والسلام.
ومن المنطلقات الطامحة لبناء «مجتمعات التسامح»، وترفعاً وسمواً عن أي نزاع أو فُرقة، جاءت الجهود والقناعات الواثقة بقدرات شباب أفريقيا المسلم، موحدةً الصف الأفريقي بسواعد شبابها المعطاءة، تحت ظل حكومتهم الرشيدة، ولذا نظم مؤتمر بعنوان: «دور الشباب المسلم في أفريقيا الغد»، بالتعاون فيما بين المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة مع المجلس الإسلامي الأعلى لأوغندا، وذلك تحت رعاية الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، كما عمل المؤتمر على تعزيز العلاقات وبناء التحالفات لإيجاد الحلول واقتراح البرامج الكفيلة للنهوض بدور الشباب المسلم في نهضة أفريقيا، موصلاً رسالة المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة والتي تدور حول ضرورة تعزيز التواصل والتفاهم لمواجهة الأفكار المتطرفة ودحض خطاب الكراهية وصناعة الأمل مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.
ما حققه هذا المؤتمر بالتعاون بين منظميه يعتبر حدثاً مفصلياً في مواجهة أبرز الرهانات الأفريقية وتسليط الضوء على سبل تحويلها إلى مقدرات، المؤتمر طرح آليات تفعيل دور شباب المجتمعات المسلمة للنهوض بأفريقيا. إضافةً لتعزيز الثقة في مقدرات القارة ومؤسساتها لدى جيل الشباب، كما أن ما خرج به من توصيات حري بأصحاب الإرادة من اعتماده كقاعدة بناء أساسية لينطلق منها مشروع «أفريقيا الحضارة» الجديدة.
مقالات مختارة / قراءات افريقية