جماعة الدنكا في جنوب السودان     

 قراءة :ا.د/ إبراهيم نصر الدين

وفقا لمدركات جماعة الدنكا بإنهم يهود نزحوا من شمال الخرطوم نحو الجنوب، وإن كانت هناك خلافات حول أصولهم تشير الى أنها تعود الى شرق أفريقيا. وهناك جدل حول أصولهم وموطنهم الأصلي، هذا فضلا عن دخولهم في صراع مع شمال السودان وليس مع شرق أفريقيا أومع أية منطقة أخرى مجاورة؟ ويصبح الثابت لدينا أنهم يهود، ويتصرفون سياسياً وفقاً لهذه المدركات.

وهذا ما سيتم تناوله في هذه  الدراسة.

المبحث الأول

التعريف بجماعة الدنكا وأصولهم

تُعد الدنكا أكبر جماعة إثنية في شرق أفريقيا عامة وجنوب السودان خاصة، وأكثرها إنتشاراً ، إذ تمتد أرضهم جغرافياً من مدينة الرنك شمال جنوب السودان حتى الحدود الأوغندية مع إمتداد واسع نحو الغرب بين منطقة بحر الغزال، وولاية جونجلي ومناطق من ولاية جنوب كردفان وولاية أعالي النيل حتى بحر نهر العرب في كردفان.[1]( إنظر الخريطة رقم -1-)، ونتيجة لأنهم يشغلون مساحة كبيرة أطلق عليهم تسميات مختلفة منها شعب النيل الأبيض، شعب بحر الجبل أو شعب بحر الغزال، يبلغ تعدادهم حوالي خمسة ملايين نسمة حسب تعداد السكان في السودان لعام 2008 ويشكلون 18% تقريباً من مجمل سكان البلاد[2]، وهم فرع من فروع الشعوب النيلية*إلا إنهم أكثر الأفارقة سمرة وطولاً، ويتحدثون باللغة النيلية وتسمى لغتهم (بالدنكاوية أو تونقيانق) ومعناها (الناس أو القوم) وتتفرع من اللغات النيلية الصحراوية وتكتب بالأبجدية اللاتينية مع بعض الإضافات.

تنقسم جماعة الدنكا الى عشرة فروع وهي:أتوت، الياب (أو عالياب)، بور، شيق، اقار، قوك، ريك، تويق، ملوال،والدينكانقوك، وأكبرهم هم الملوال ويقدر عددهم بمليون نسمة. [3]

وكان يشار إليهم بأسماء مجاميعهم، ولم يشيروا الى أنفسهم بهذا الأسم(الدنكا)، وإنما عرفوا دوما بإسم (Moin –Jiang)، وإطلق عليهم في الأدب السوداني للقرن التاسع عشر(بالزنج)أي الأفارقة غير المسلمين، وعُرفوا بعد الحكم التركي- المصري بإسم(الدنكا)، وهو إسم غير حقيقي أطلقه عليهم الأجانب في فترة الحكم البريطاني[4]، فكلمة (دنكا Dinka) في حقيقة الأمر هي جملة ومعناها(Deng Ka) أي (هو ذا دينق) كإجابة عن سؤال محذوف تقديره أين دينق؟ شيخ المجموعة، وأحيانا يقال أن (دينق كاكDeng Kak) وكاك هو شيخ المجموعة، التي وجدت في شندي الحالية في الشمال إذ إن الدنكا أول من سكن مناطق مدينة شندي.[5] لذا سموا الدنكا وأستمر الإسم بعد الحكم الثنائي، أما الإسم القديم (Moin Jiang) وتبسيطه (Jiang) ومعناه سيد العالم، و(Jiang) هو تحريف للإسم الأصلي(جيل Jiel) والذى يؤكد البعض إنه تحريف لإسم يعقوب علية السلام(Jacaub).[6]

أصول الدنكا:

كغيرهم من الجماعات الأفريقية، إرتبطت أصولهم بأساطير أشهرها ترجع أصولهم إلى إن الإله (نيالك) خلق أول الناس ( جارانج) و(أبوك) و(دنغ) هو أول أبنائهم الذي أنحدرت منه بطون الجماعة[7]، بينما تتحدث أسطورة أخرى عن (ألوت بنت الغمام) التي نزلت مع المطر وولدت طفلاً (دينغ دين) وطلبت من الناس ذبح الذبائح ليتكلم الطفل وينالوا بركته، ثم سرعان ما عادت إلى السماء مع المطر، وتركت (دينغ دين) يرشد الناس ويمنعهم من ممارسة السرقة وعلمهم الكرم وإحترام المرأة.[8]

ويرى بعض الباحثين إن الدنكا من نسل حام أستقروا في مصر، وهناك تقاليد تشبه الحضارة والثقافة المصرية القديمة مثل الرسومات على (الزوارق، الرماح، والعاج)، وتشابه طرق الصيد وطريقة لبس جلود الحيوانات والخرز التي توضع على الرسغ والرقبة مع تشابه بالأسماء، ومن مصر أتجهوا الى النوبة جنوباً كرعاة للماشية منذ أربعة آلاف عام، والعديد من الدنكا يعتقدون إنهم مرتبطون بالمملكة النوبية وهناك عادات وطقوس تشير الى هذه الإنتماءات القديمة مثل بناء الإهرامات للملوك ودفنهم فيها، فضلا عن ان مفرداتهم تضم مفردات من الكلمات النوبية التقليدية، كل هذه العوامل تشير الى الإنتماء التاريخي مع الممالك في وادي النيل. [9]

ويعتقد العديد من الدنكا إن إصولهم سامية، ولقد أشار (مكمايكل) إلى إن( جيل Giel) له علاقة مع (جال Gal) جدّ الجعليين الذين ترجع جذورهم الى الجزيرة العربية. وما ذهب إليه مكمايكل يؤكده عالم آخر هو(جودفري Godfry) في كتابه:

(The Dinka Holy Son: Tradition,Experience And-Religion) على النحو الأتي:

جيل(Jiel) له ثلاث أبناء هم(كياج Cig) و(نيرNier) الذي هو نوير و(جول Jual) جد الشلك الأمر الذي يؤكد وجود علاقة قوية بين هذه المجاميع الثلاث( دنكا، نوير، شلك) وان هذه الجماعات الثلاث سامية.

ويعرف بين أواسط الدنكا إن جدهم الأكبر هو(أيول ديت)، ولكن في الحقيقة إن (أيول ديت) هو (أيول جيلAyualJiel) كما ورد كثيراً في تاريخ العهد القديم، والذي يتمتع بخصائص روحية عظيمة تُرقيه الى مرتبة النبي.[10]

ومن هنا يمكن القول، إن الدنكا ونظيريهما الشلك والنوير ربما أنحدروا من أصل (جيل-Jiel) الذي يرجع بجذوره الى نسل يعقوب أي انهم ساميون، ذلك لوجود تشابه بين الحضارة الناطوفية في فلسطين منذ سبعة آلاف سنة وحضارة النيليون في الشهيناب والخرطوم منذ العصر الحجري الوسيط مثل الأسلحة والأدوات الحجرية كالمقاطع والأزاميل والرماح والأواني الفخارية ذات الخطوط المموجة.[11]

وهناك حقائق تثبت ذلك وهي التشابه في الملامح، فالنيليون يختلفون تماماً عن ملامح بقية الأفارقة في القارة، من حيث الطول وملامح الوجه المستطيل وشكل الشفاه، والتشابه في  تربية النشئ وتقاليد  وعادات الزواج التي تمارسها الدنكا، هذه العادات الإجتماعية الفريدة لا توجد إلا عند نسل يعقوب، وقد جاءت أغلبها متشابهة لما جاء في  الكتاب المقدس – العهد القديم خاصة شريعة موسى التي هي صميم الحياة عند الجماعات النيلية قبل أن يؤمنوا بالأديان السماوية. [12]

وتثبت  هذه الشواهد أن النيلين في الأساس ساميون، ويذكر الدنكاويون أنهم ذكروا في العهد القديم عند النبي شعيب، فقد ذكر في سفر النبي أشعياء إصحاح 18 مايلي:( يا أرض حفيف الأجنحة التي في  عبر

انهار كوش المرسلة رسلا في البحر وفي قوارب البردي..أذهبوا أيها الرسل السريعون الى أمة طويلة قد خرقت الأنهار أرضها).[13]

يتّسم الدنكا وسائر النيليين بالطول الفارع، وإن ما ورد في تاريخ عهد النبي أشعياء ليس بعيداً عن الحقيقة بإعتبار ان الأرض التي خرقتها أنهار كوش هي السودان الحالي وليس غيره أي جنوب مصر، وإن شعب كوش يعني السودان، وكوش تعني الرجل الأسود، ويعتقدون إنه توجد صلة بين اليهود وشعب كوش، وكوش مؤسس الدولة الكوشية الشهيرة التي دامت أكثر من ألف عام حتى القرن الرابع الميلادي، وكوش إبن حام، ويتضح من ذلك، ان الدنكا لهم علاقة بالحاميين مثل النوبة والفور والباري والبجه.

وهناك إعتقاد بأن الدنكا والجماعات النيلية حاميون ومن ضمن مجموعة القبائل الحامية الأخرى مثل (النوبة، الفور والبارى واللاتوكا) والنيليين مثل (الأنواك والأشولى والمورلى والجور والبجه)، وقد وجد المؤرخون آثار الدولة الكوشية والنشاط الحيوي للمجموعات التي كانت تضمها، ككرمة ومروى في الحضارة النوبية المشابهة لحضارة الخرطوم والشهيناب، مما يعني إن الشعوب التي ضمتها الحضارة الكوشية نوبية أوسودانية، ونزحوا الى جنوب السودان عندما سقطت الدولة الكوشية بمروى، صوب الجنوب في مجموعتين: الأولى إتجهت صوب البحر الاحمر ثم كسلا وأخيراً الى الخرطوم، حيث ألتقت المجموعة الثانية التي أتخذت طريقها على طول النيل الى شندي ثم الخرطوم. ويقول الدكتور (ليك مادوت) في كتابه مقاومة الدنكا للحكم الثنائي: أن الدنكا في نزوحهم الى الجنوب سكنوا في موضع (شان ديت) مدينة شندي الحالية بينما سكنت أفخاذ منها في كسلا، وسرعان ما أجتمع الشقان عند موقع كيرتوم أي التقاء فرعي النهرين او النيلين، وبقيت الدنكا طويلا في الخرطوم وأم درمان ثم نزحت بإتجاه الجنوب.[14]

ويرى البعض بأن الدنكا فرع من فروع المجموعات النيلية في شرق أفريقيا، أسسوا مع الجماعات الأخرى المملكة النوبية القديمة، ويشترك معهم فى ذلك كل من (جماعات النوير) و(الشلك)، وتعتبر (الدنكا) جزء من مركّب إثنى وثقافى أشمل وهو مايعرف بمجموعة الشعوب الناطقة (باللو)، والممتدة فى إقليم شرق أفريقيا مع تشابة جسمانى متميز مع جماعات (الماساى) فى كينيا و(التوتسى) في رواندا وبوروندى،  بل مع بعض المجموعات التى تمتد غرب القارة حتى مالى والسنغال  والتى تتميز  بطول القامة والبشرة الداكنة غير الزنجية، فالدنكا أكثر سماراً من الزنوج ويعتبرون من أشد الجماعات سمرة فى العالم . كما يتميز الدنكا بالنحافة المفرطة والتى ترجع للعوامل البيئية والتكيف معها، ولا يختلفون عن النيليين في عاداتهم، فالنيليون عامة وأهل(الدنكا) خاصة لهم سمات تميزهم عن غيرهم من الجماعات الأفريقية الأخرى، حتى يطلقون على أنفسهم شعب الشعوب أو سيد العالم، فالإستقلالية قيمة ذات أهمية كبيرة لديهم حيث يرفض شعب الدنكا أى سلطة قهرية أو أى تدخل فى إستقلاله وحريتة فكل فرد من النيليين عامة والدنكاويين خاصة يرى نفسة قائداً يأبى أن يكون تابعاً لأحد.[15]

ويدلل التاريخ الشفوي لجماعة الدنكا على أصولهم الأفريقية، والذي يشير الى قصص الهجرة الفردية والصغيرة الى جنوب السودان الى إن تكونت وتجمعت وشكلت مجاميع الدنكا الرئيسية، إذ حصلت سلسلة من المجاعات والجفاف في الأعوام  1587-1623 في منطقة شرق أفريقيا فنزح الدنكا من الشمال بدءا من الخرطوم نحو الجنوب ودفعوا شعب اللو نحو الجنوب الى كينيا وأوغندا الذين ترجع أصولهم الى جنوب النيل الأزرق على مقربة من الحدود الأثيوبية، ويعتقد إن هذا المكان جاءت منه كل الجماعات النيلية وتفرقت فيما بعد، ويشير أحد السودانين من الشلك إن كل النيلين أصولهم من جنوب الجزيرة . وهم يسبقون النوير في هجرتهم نحو الجنوب ، ووفقا للتاريخ الشفوي للدنكا وصلت أعداد كبيرة منهم في منتصف القرن السابع عشر شمالا من نهر السوباط الى نهر النيل الأبيض وجنوب الجزيرة ، إذ إن النوير هاجروا اليها في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، وتوسعوا نحو الشرق وقسموا جماعة الدنكا الى قسمين شرقي وغربي، مما أدخل الطرفان في حروب عنيفة ومواجهات خلال السنوات 1600-1635  حول تقاسم الكلأ والاراضي، وبعد تلك الأحداث عبر الدنكا الى غرب النيل واستوطنوا في منطقة بحر الغزال وكان ذلك عام 1857.[16]( انظر الخارطة رقم-2- التي توضح هجرة الدنكا وفقا للتاريخ الشفوي).

ويدعي بعض الرواة الدنكاويون، إنهم كانوا متواجدين في الأراضي الإثيوبية الحدودية القريبة من النيل الأزرق، وأشار الباحث الدنكاوي(Morn Kou NhialArou) بقوله:( عندما كنا ندفن الموتى تكون روؤسهم نحو الشرق وذلك بسبب أساطير هجرتنا التي تؤكد قدومنا من شرق النيل)[17]، ويدعم وجهة النظر هذه السودانيون من جماعة (اللو) بقولهم:(يقول الدنكاوين أنهم قدموا من الشمال، ولكن نعتقد بأن الدنكا قدموا من الشمال الشرقي بالقرب من النيل الأزرق حيث الإثيوبيون في الأراضي المرتفعة بينما الدنكا في الأراضي المنخفضة).[18]  وما يدعم صحة هذين الرأيين بأن موطن اللغة النيلية وبضمنها لغة الدنكا يقع بالقرب من الحدود الإثيوبية بين النيل الأبيض والنيل الأزرق، هذا بالإضافة الى وجود الآثار التي تدعم الوجود النيلي القديم في جميع أنحاء منطقة شرق أفريقيا، فقد هيمنت الشعوب النيلية على منطقة جنوب السودان أعقاب إنهيار الممالك المسيحية النوبية في القرن الرابع عشر، وإن أختلف المؤرخون حول أصول تلك الكتلة البشرية، إلا إننا نميل الى الإعتماد على التاريخ الشفوي المروي من قبل الجماعة نفسها فهو الأقرب الى الدقة، خصوصا وإنه ينطبق مع ما ذهب إليه بعض علماء الإنثربولوجيا وعلى رأسهم( سليجمان) في كتابه(القبائل الوثنية في السودان النيلي 1932)، والذي أشار فيه الى أن الجماعات النيلية(مصطلح النيلية أشارة الى النيل ويستخدم لتفريق الجماعات النيلية عن غيرها من البانتو والسودانيين)، موزعة على نطاق واسع في منطقة شرق أفريقيا وجنوب السودان وحتى أجزاء من كينيا وتنزانيا، وتنقسم الى ثلاث مجاميع واسعة( المجموعة النيلية الشرقية، المجموعة النيلية الغربية، والمجموعة النيلية الجنوبية) وينتمي الدنكاويون الى المجموعة النيلية الغربية وهم  أكبر مجموعة إثنية في السودان. فوفقا للتوزيع الجغرافي والتصنيف اللغوي والخصائص الجسمانية، فأن الدنكا ينتمون الى المجموعة النيلية التي ينحصر توزيعها الجغرافي في وادي النيل والأراضي التي تجاوره من جنوب الخرطوم.

المبحث الثاني

أوضاع الدنكا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية

للدنكا سمات تميزهم عن غيرهم من الجماعات الأخرى تتمثل في الإعتزاز بجنسهم والترفع والسمو وعزة النفس، هذه القيم تجعلهم لايسعون الى فرض عاداتهم وقيمهم ومعتقداتهم على الأخرين وأيضا عدم قبول الأخر بثقافته وقيمه، فيعملون على المحافظة على إثنيتهم وهويتهم الثقافية، فأعتزازهم بأصلهم وثقافتهم يبلغ الى حد المغالاة في تمجيد إثنيتهم.[19]

ويعتبر الدنكا أنفسهم أكثر قيماً من الشعوب الأخرى، لذلك يقاوم الدنكاوي أي إستيعاب داخل الثقافات الأخرى، الأمر الذي ساهم في إستمرار ثقافتهم وتمركزهم الإثني، وينظرون لأنفسهم كرمز لكرامة الإنسان وهو ما يؤكد تفوقهم على الآخرين (الجور) أي الغرباء .

حافظ الدنكا على ثقافتهم التقليدية ، ويعد مجتمعهم مجتمعاً محافظاً على العادات والتقاليد والممارسات الدينية، فشعب الدنكا شديد التدين، والدنكا  مثل معظم سكان جنوب السودان معتنقى الديانات الطبيعية الذين يعيشون على الفطرة، بقي معظم الدنكا لغاية عام 1950على ديانتهم التقليدية مع قلة من المعتنقين للمسيحية والإسلام[20]، ولم تحاول السلطات البريطانية المساس بتقاليدهم، فكانت التعاليم التبشيرية تخلو من أي طابع مادي، فالمتعلم يتبنى المسيحية ولكنه يبقى دنكاوياً من الناحية المادية.

وجدير بالذكر إن أعداد المسيحين والمسلمين زادت بين شعب الدنكا خاصة بعد إتصال الشمال والجنوب  وأنتشرت الكنائس،  وذلك لأن المبشرين كانوا يحظون بمكانة عالية وكان ينظر إليهم كرسل لنشر كلمة الإله. ويعرف الاله عند  الدنكا  بـ(Nhialic) وهو الخالق  ومن سماتة القوة والعدالة  ثم هناك (Dengdit)  وهو الكائن الروحى المقدس أو هو الكائن الوسيط بينهم وبين الإله  والذى يلجاؤن إليه عند الشدائد، ويعتقد “الدنكا” أشد الاعتقاد فى الأساطير والخرافات واللعنات.[21]

لايعرف الدنكاويون أي تمييز طبقي إقتصادي فالجميع متساوون فلا يوجد تمايز على أساس المكانة أو الثروة، ولكن يوجد تمييز إجتماعي، فينقسم عشائر الدنكا الى (عشائر الزعيم) والتي تسمى ب(Bny) و(عشائر العامة) وتسمى (Kic)  التي لا يحق لها الإنتماء الى عشائر الرؤساء، وقد تتمكن الأخيرة ممارسة نفوذها السياسي على العامة، وتتدرج السلطة في المجتمع، وتعد العائلة أصغر وحدة وأكثرها أهمية، وليس للدنكا ملاك ولا سادة ولا عبيد.[22]

الدنكا شعب رعوي وزراعي، يختلف نمط حياتهم حسب الموسم، ففي موسم الجفاف يعتمدون على رعي الماشية، وفي موسم الأمطار يلجاؤن الى زراعة محاصيل الحبوب، أما بالنسبة لطبيعة نمط حياتهم الإقتصادية فإنهم يعتمدون على العوامل الطبيعية والبشرية، وإقتصادهم تتحكم فيه العادات والتقاليد التي تمنع دخول الثروة الحيوانية في نطاقه، وتحتل الماشية أهمية كبيرة في حياتهم الأقتصادية والروحية وهي مقياس ثروتهم، ومبعث سعادتهم وبهجتهم وعماد مركزهم الإجتماعي وهي الأساس الأقتصادي لمجتمعهم فهي تدفع كمهور للزوجات وللديّة وفقاً لنواميس وشرائع معروفة ومتوارثة، وتوفر أغلب حاجاتهم المعاشية ويعتبرونها مكرمة، وينكرون ذبحها ويفعلون ذلك فقط كقربان للإله أو الأرواح او الأسلاف، وفي بعض الأوقات لتكريم الضيف أو لأحتفال خاص. ويعتقد الدنكا إن الأبقار تقوم بحمايتهم من الأوراح الشريرة المتمثلة بالمرض والموت، وبتقديمها مهورا تضمن إستمرار سلالة الدنكا، وتستخدم كديات للقتلى وتعويض عن العديد من الخطايا.[23]

ويُعد بيع الأبقار أمراً معيباً، فنظرة المواطن العادي في المنطقة مازالت تتعلق بالأبقار على أساس أنها عنصر الثراء المرئي والذي يمكن للأنسان أن يفخر به، وتدعو القيم والتقاليد الى تمجيد ورفع مكانة الفرد الذي يمتلك قطيعا كبيرا، فينظر الرعاة لأبقارهم على إنها هي المال لما تجلبه لصاحبها من حسن سيرة وإحترام وسط أهله، ويمارسون الى جانب مهنة الرعي الزراعة خصوصاً كلما أتجهنا الى الجنوب بقصد إنتاج بعض ما يحتاجه الفرد في حياته اليومية. [24]  فلعبت الماشية دورا كبيراً في حياتهم  الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والدينية.

وكان لأكتشاف النفط في منطقة الجنوب السوداني أثر سلبي على الحياة الأقتصادية التقليدية للدنكا ولمنطقة الجنوب بصفة خاصة، وأدى تحول الزراعة في إتجاه المشاريع الآلية الى الحد من حرية المزارع، وسيطرت الحكومة على الأراضي ولم يسمح لأي أحد أن يدعي حيازتها، وتصورت المجاميع الإثنية إنها ستحرز تقدما في مجالات التنمية إذا ما استأثرت بكل ماهو مخزون لديها من معادن وطاقة، وبصورة تحفظ للإقليم مكانة متميزة، وقد نتج عن ذلك إشعال نار الحرب الأهلية في منطقة الجنوب، هذه الحرب التي كان لها أثر قوي ومباشر على الحياة الإقتصادية للجماعات الإثنية في جنوب السودان بصفة عامة ولقبائل الدنكا بصفة خاصة، فأدّت الحرب الى فقدان الغابات ومزارع البن وتشريد العاملين، كما أدّت زراعة الألغام الى خطورة التنقل والى خسائر بشرية ومادية عديدة. كل ذلك أدى الى قلة المساحات المتاحة للرعي وصعوبة تنقل الرعاة مع حيواناتهم، وأدت الحروب في مناطق التماس بين الجماعات الإثنية حيث الصراع على المراعي والماء الى فقدان عشرات الآلاف من رؤوس الماشية وفقدان الموارد لقلة الصادر منها. وساهمت الحرب في ذبح الماشية للحاجة الملحة لإطعام الجيش المحلي الذي إعتمد بالكامل على السكان المحليين، وتفشت المجاعة وكثُرت أعداد النازحين.[25]

لايوجد عند الدنكا سلطة سياسية مركزية، ولم تعرف تلك الجماعة في تاريخها السياسي وحدة سياسية أو قيادة مركزية كتلك القيادة الموجودة عند جماعة الشلك، وبدلا من ذلك يستخدم النظام السياسي في مجتمع الدنكا نظام الزعامات( لكل عشيرة من الدنكا زعيم خاص بها) يكونون سلطة سياسية عليا و يباشرون وظائف معينة، ويُختارون على أساس إنتمائهم العشائري من قبل أسلاف يتمتعون بالقداسة والإحترام داخل مجتمعهم،  والى جانبهم  نواب وهم همزة الوصل بينهم وبين المجموعة. [26]

يرتبط النظام السياسي إرتباطا وثيقا بالمعتقدات الدينية السائدة في المجتمع،  فالزعيم في كل عشيرة يجمع بين تلك السلطتين، وبذلك يستمد سلطته من مركزه الطبقي والديني مما يساعد على إداء وظائفه المتعددة، فهو يقوم بالطقوس الإجتماعية( صناعة المطر، الصلوات والتضرعات من أجل الأضرار بالعدو، ويستعين بأشياء مقدسة تضفي عليه صفة دينية تؤدي لأحترام الناس له وطاعة أوامره. ويعتقد أفراد الجماعة انه مثل الإله على الأرض، ووجوده يمثل حماية من الكوارث والأمراض.

لقد طرأ تغيّر على النظام السياسي، وتغيرت مفاهيم الدنكا عن السلطة والقانون تغيرا واضحا، فحدث التغيير الأول في القرن التاسع عشر أثناء الحكم المصري – التركي فأصبح  كافة جماعات الدنكا قوة سياسية وعسكرية داخل قلب جنوب السودان، وتمكنوا من بناء جيش قادر على الصمود بوجه الإعتداءات الشمالية أو نزاعاتهم مع المجاميع النيلية الأخرى، وأصبحوا أكثر مركزية تحت إشراف الحكم المصري[27]، فعزز الحكم المصري من قوة وسلطة الدنكا المركزية وأصبح لديهم رؤساء في جميع أنحاء السودان الجنوبي، ومع ظهور المهدية كحركة معادية للأتراك وكحلف ضد عدو مشترك، تحالف الدنكا مع المهدي لإعتقادهم بأنه ظهر لتحرير سكان البلاد من الإضطاد الأجنبي وهو يمثل (روح دينج المطر والبرق) وهما دليلان للقدرة الإلهية.[28]

أدت السياسة الرسمية الى تحول  بعض القيادات الرسمية الى قيادات روحية من نوع جديد، بعد التحول الى الإسلام ألا وهم شيوخ الدين الذي عرف الواحد منهم بلقب(الفقى) وهو شيخ ديني له مكانة متميزة في المجتمع بحكم معرفته لأحكام الدين والعمل بها، وبحكم إرتباط الناس به واللجوء إليه للمشورة في الأمور الدينية والدنيوية المتصلة بالصحة والمرض والنجاح والزواج وشتى الأمور، ومن ثم جمع الزعيم بين السلطتين الدينية والدنيوية.[29]

نخلص من ذلك الى  إن هناك إرتباطا قويا بين النظام السياسي والديني عند الدنكا، وعلى الرغم من حدوث تغيير في المجتمع  من الناحية الدينية والدنيوية والسياسية نتيجة الحكم المصري – التركي أولا ثم الثورة المهدية والإحتلال البريطاني، وكانت أقوى التغيرات هي دخول المسيحية التي أثرت في جوهر الديانات التقليدية فلم يعد للزعيم نفس الدور الذي كان يقوم به في النظام التقليدي، ومع دخول الزحف العربي للجنوب تغيرت السلطة والزعامة التقليدية وأصبح زعماء الدنكا يقومون بنفس الدور الذي يلعبه العمدة والشيخ عند الجماعات العربية في الشمال وظهرت سلطة جديدة مختارة وهي سلطة الفقى، والشيء الوحيد الذي أحتفظ به الدنكا هو إن الزعامة مازالت في  العشائر المسيطرة، وان هناك سلطات محلية مختارة تقوم كلها على الإنتشار وليس التمركز للسلطة.

وتعتبر الدنكا أكثر جماعات  الجنوب تحضّراً وتتجمع حولها الجماعات الأخرى نظراً لإمتلاكها القدرة والقوة، وترفض مبدأ تقسيم جنوب السودان إلى مديريات لأنه يفتت من قوتها ويقلص من مناطق نفوذها وسيطرتها* ومن أهم شخصيات هذه الجماعة الإثنية هو (جون جارانج) مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان.

وأخيرا، ظهرت أهمية دراسة جماعة الدنكا لكونها أكبر وأقوى وأكثر الجماعات الإثنية تأثيرا في جنوب السودان، ولدورها بالثورات المستمرة على الحكومة المركزية في الخرطوم وإستعدادها لتهديد نظام الحكم[30]، نظرا لسياسات الحكومات السابقة  في مديريات الجنوب وإتباعها وسائل قمعية صارمة في الإدارة والحكم، فضلا عن إغفالها رفع المستوى الأقتصادي والأجتماعي، مما جعل بعض العناصر في الجنوب تطالب بالإنفصال عن الشمال.

سعت الإدارة البريطانية الى تقسيم السودان بفصل الجنوب في صورة دولة مستقلة أو ضمه لأوغندا، غير إن مؤتمر جوبا سنة 1947 بشأن مستقبل السودان قرر بقاء المديريات الجنوبية ضمن الشمال [31]، فخلال فترة إحتلالها للسودان 1898-1956 قسمته لجزئين، تعاملت مع كل واحد منهما بشكل منفصل،  ففي الشمال كانت السياسة البريطانية تسمح بتطوير هوية قومية ترتكز على الأنصار والختمية، وفي الجنوب أتبعت بريطانيا سياسة تحول دون وحدة الأراضي السودانية، فمنعت التأثيرات العربية الإسلامية من جنوب السودان، وسنّت قانون المناطق المغلقة سنة 1922 وطبقته في جنوب السودان ومنطقة جبال النوبة جنوب كردفان، وحظرت الزي العربي التقليدي واللغة العربية وأستخدمت اللغة الإنجليزية وشجعت اللهجات المحلية ومنعت التجار الشماليين من دخول الجنوب، وسمحت للبعثات التبشيرية بالعمل في الأقليم فأتخذ الأنقسام بعدا جديدا بين الجنوب والشمال وصور على أنه  إنقسام بين شمال عربي مسلم وجنوب سوداني مسيحي، على الرغم من إن 15% فقط من السودانيين في الجنوب يدينون بالمسيحية[32] وقد أدى ذلك الى تعميق الفوارق اللغوية والثقافية والدينية بين الشمال والجنوب خاصة وإن بريطانيا كانت ترى أن الجنوب أقرب الى أفريقيا السوداء منه الى السودان. [33]

وقد صاحب ذلك تنمية غير متوازية بتركيز المشاريع التنموية في أواسط البلاد مقابل غيابها في أطرافه، وفق رؤية دولة ما بعد الإستقلال التي واصلت ما أبتدأه الإستعمار البريطاني، مما خلف فجوة كبيرة بين الوسط والأطراف ومجتمعات تجابه الإهمال في الجوانب التنموية وتردي الأوضاع الإقتصادية، وأحزاب سياسية يعاني بعضها ضعف الأسس التنظيمية الداخلية أو محدودية الموارد، أنعكس هذا الإنقسام بعد إستقلال السودان وشهد صراعا على أسس إثنية وثقافية وجغرافية، قامت أطراف خارجية بتغذيتها من بينها إسرائيل، التي تقربت من الجماعات الإثنية في جنوب السودان، بدعوى وذريعة أن مساندة الجماعات التي تعاني كأقلية مثلما عانى اليهود على مرّ التاريخ، لإيجاد حالة من الإقسام الأثني بين المركز والأطراف، والناتج هو قدرتها على إجتذاب هذه الأقليات بعيدا عن وطنها الأصلي. تطبيقا لمبدأ ( شد الأطراف وبترها) الذي صاغه ( بن غوروين) وحقق نجاحا كاملا في الحالة السودانية بفصل جنوب السودان وميلاد دولته الجديدة في يوليو/2011.

المبحث الثالث

السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه جماعة الدنكا

        أهتمت الحركة الصهيونية بالأقليات بإعتبارها حليفا طبيعيا لإسرائيل، وقد ترجم هذا الإهتمام المبكر في مراحل لاحقة الى منهاج وإستراتيجية للتحالف معها،  بكونها أداة لإضعاف الدول المتواجدة فيها وتقويض وحدتها الوطنية.

وإنطلاقا من ذلك، أقامت إسرائيل علاقاتها مع الإقليات الإثنية والطائفية في الأقطار العربية لاسيما الأقطار المحاطة بدول غيرعربية مثل (السودان)، لإيجاد كيانات إنفصالية لتفتيتها، وإعادة توزيع القوى على نحو يجعل منها دول هامشية مفتقدة لوحدتها وسيادتها مما يسهل على إسرائيل التعاون مع دول الجوار غير العربية وسهولة السيطرة عليها الواحدة تلو الأخرى، وكان لا بد من البحث عن حلفاء في أوساط الأقليات في الدول العربية، ووفقا لهذه المنهجية أصبحت إسرائيل تنظر الى المسيحيين في السودان بمثابة رصيد إحتياطي للصداقة والتعاون، فبادرت بدعم حركات التمرد في جنوب السودان من أجل تفتيت السودان الى مجموعة من الدويلات الهشة الضعيفة المتصارعة وصولا الى إنهيار الدولة بالكامل، وهذا ما سيتم تناوله في هذا المبحث من الدراسة.

المطلب الأول: بداية العلاقات مع إسرائيل

لجأت إسرائيل الى دعم وتقوية الحركات الإثنية المعارضة للسلطة المركزية في شمال السودان وإقامة علاقات معها، وساعدتهم للتخلص من الهيمنة العربية، ولعدم وجود جالية يهودية تعتمدعليها في جنوب السودان وبعد فشل محاولاتها في إجراء إتصالات مع الزعامات السودانية في الشمال*، وجدت في الدنكا أقوى الجماعات الإثنية في الجنوب والتي شكلت العمود الفقري للحركة الشعبية لتحرير السودان فيما بعد، السند والمدخل الرئيسي للتعاون[34].

إنطلاقا من إستراتيجية شد الأطراف التي صاغها ( بن غوريون ) والتي تقوم على فرضية ذكرها بقوله: ( نحن شعب صغير العدد وإمكانيتنا ومورادنا محدودة، ولابد من إختزان هذه المحدودية في مواجهة أعدائنا من الدول العربية، من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات الإثنية والطائفية حتى تضخم وتعظم هذه النقاط الى درجة التحول الى معضلة يصعب حلها أو إحتوائها)[35]،  فقد أصدر أوامره الى أجهزة الأمن للأتصال بزعامات الأقليات في السودان وإقامة علاقات مختلفة معها، وقصد بذلك الوصول الى الجماعات غير العربية التي يمكن أن تصبح دولا تعيش على التخوم مثل (الأكراد) في شمال العراق، (والإنفصاليين) في جنوب السودان و(الدروز) في لبنان، بهدف تفكيك الدول القائمة وتفتيتها وتحويلها الى دويلات صغيرة، ولقد نشرت هذه الخطة قبل غزو العراق وإحتلاله عام 2003، والتي تهدف الى تفتيت الدول العربية الى مناطق ذات خصوصية أثنية ودينية. إنطلاقا من قناعة ثابتة لدى الفكر الصهيوني بأن العالم العربي تتنازعه الإنقسامات الإثنية والدينية والطائفية ومن السهل إختراقه وإضعافه من الداخل، عن طريق التآمر مع تلك الأقليات وتشجيعها على التمرد وإقامة دويلات منفصلة ترتمي في أحضان كيانات إقليمية أخرى غير عربية. [36]

المطلب الثاني: دور إسرائيل في انفصال جنوب السودان وإقامة العلاقات مع الدولة الجديدة

بدأ أول إتصال مع جنوب السودان عام 1958 من خلال مواطني جنوب السودان مباشرة، وهم اللاجئون الى إثيوبيا عقب إندلاع تمرد توريت عام 1955 في السودان، إذ بدأ تصاعد التوتر بين شمال السودان وجنوبه، جراء الممارسات الخاطئة للأحزاب الشمالية وقرارات لجنة السودنة التي صدرت في أكتوبر عام 1954 والتي تجاهلت الى حد كبير تعديل أوضاع الجنوبيين العاملين في الخدمة المدنية، وهو الأمر الذي دفع الحزب الليبرالي الجنوبي( تشكل عام 1953 تحت إسم الحزب الجنوبي) الى عقد مؤتمر في جوبا للمطالبة بإقامة دولة فيدرالية وجاء تمرد الفرقة الإستوائية في أغسطس عام 1955 وما واكبه من مذابح واضطرابات في الجنوب ليضيف رصيد الى عدم الثقة بين الطرفين[37]، وازدادت أثناء حكم الفريق إبراهيم عبود الذي تبلورت سياسته إزاء الجنوب في ممارسات عنيفة ومحاولات فرض الأسلمة والتعريب بمواجهة جهود التبشير من جانب الكنائس العالمية في جنوب السودان.[38] ولجوئه لقمع المعارضة في الجنوب الأمر الذي أدى الى هروب العديد من القيادات الحزبية الجنوبية الى الخارج فضلا عن فرار الآلاف كلاجئين في الدول المجاورة، والذين شكلوا تنظيمات سياسية وعسكرية في الخارج لمقاومة هذه السياسة،  فقد أسس  المتمردون عام 1963 الأتحاد الوطني الأفريقي للسودان(سانو) في كمبالا ولكنه كان عاجزا عن الظهور بشكل مقاومة مسلحة في الجنوب، وفي منتصف عام 1963 تمكن 400 متطوع من الإستوائيين بقيادة (جوزيف لاجو) الزعيم السابق في الجيش السوداني بإنشاء الحركة العسكرية الأولى (الإنيانيا) وتعني (سم الأفعى) بلغة الجنوب في 19أغسطس1963[39]،  يُعد ظهور حركة الأنيانيا عام 1963 تطورا جديدا في تطورات مشكلة الجنوب ليس لأنها أتخذت طابعا عسكريا فحسب بل لرفضها لأي حل سلمي لمشكلة الجنوب. [40]

تزامن ذلك مع إفتتاح القنصلية الإسرائيلية في أديس أبابا وبداية نشاط إقتصادي إسرائيلي في إثيوبيا، حيث أسست عدة شركات إسرائيلية منها شركة (أنكروا) التي عيّن مديرها (جوزيف لاجو) وبإسم مستعار (بن ناثان) وحمل جوازات سفر بأسماء مستعارة وكيلا للمخابرات الإسرائيلية، الى جانب  الجهود الدبلوماسية التي بذلها (أوليفر باتالي ألبينو) أحد أعضاء حركة الإنيانيا مع السفارات الأجنبية في كمبالا ونيروبي، ومورّد العتاد الرئيسي للحركة في الأعوام 1963-1965، وله دور كبير في تحقيق الإتصالات الأولى مع إسرائيل، وكان أول إتصالاته بالجنرال( موشيه دايان) الذي كان حاضراً في نيروبي بمهمة دبلوماسية، وأكّد دايان له إن إسرائيل ستكون متعاطفة مع الجنوب.[41]

تتابع وصول المستشارين ورجال أجهزة الأمن الذين قدموا الى إثيوبيا، وفي هذا السياق بدأت إثيوبيا تشكل أولى حلقات الوصل والتعامل مع حركات التمرد في الجنوب السوداني، وقام (ديفيد قمحي) المدير السابق لوزراة الخارجية بدور متميز في دعم الإتصالات الإسرائيلية مع المتمردين الجنوبيين، حيث قدمت إسرائيل دعما لحركة الإنفصال بالإسلحة وتقديم المشورة والتدريب بواسطة المستشارين العسكريين الإسرائيليين المقيمين في إثيوبيا، خاصة إذا ما اخذنا بنظر الإعتبار إن الحركة في بداية تأسيسها كانت  أسلحتها بدائية مثل الرماح، الفؤوس، السيوف، المستخدمة في حرب العصاباـت، والتي هي أدنى بكثير من تسليح الجيش السوداني المتفوق والمتدرب والمجهز بصورة جيدة.[42]

ودبّر لـ(جوزيف لاجو) الذي عُيّن موظفاً في السفارة الإسرائيلية في نيروبي في عام 1967 ، لقاءً مع سفير إسرائيل في كمبالا وسلمه رسالة لرئيس الحكومة آنذاك (ليفي أشكول)، لتهنئته بحرب الأيام الستة جاء فيها:(أنا أقاتل نفس العرب وهذا من شأنه أن يقوّيني، وأود أن أفعل شيئا واحدا وهو دحر الجيش السوداني كي لا يتمكن من الإلتحاق بالمصريين في منطقة القناة لقتالكم).[43]ويتضح من ذلك المصالح المشتركة بين إسرائيل وحركة التمرد في جنوب السودان، وفي مقدمتها الحرب ضد العرب، وما يؤكد ذلك إشارة جوزيف لاجو في رسالته إستعداده لتقديم المساعدة للحيلولة دون إشتراك جيش السودان مع جيش مصر في الحرب، لمنعه من دعم مصر والدول العربية الأخرى في حربها ضد إسرائيل.

ومات أشكول قبل تسلم الرسالة وحلت محله غولدا مائير التي دعت بدورها (جوزيف لاجو) والذي عيّن موظفاً في السفارة الإسرائيلية لزيارة إسرائيل، ولبّى الدعوة وعلى أثرها أجتمع مع مائير وعدد من المسؤولين الإسرائيليين، وزار العديد من القواعد العسكرية الإسرائيلية وأتفق على صفقة تقوم إسرائيل بموجبها بتزويد حركة أنيانيا بالأسلحة وتدريب كوادر من مقاتلي حركتهاعسكريا في إسرائيل كان أبرزهم (جون جارانج) الذي أصبح لاحقا قائدا للجبهة، وتزويدها بأنواع مختلفة من الأسلحة نقلت على متن طائرات إسرائيلية الى مدينة جوبا في جنوب السودان عن طريق أوغندا، من ضمنها المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات وأسلحة رشاشة وأسلحة خفيفة، كانت قد غنمتها إسرائيل من الجيوش العربية في حرب 1967، ولم تزود بإسلحة إسرائيلية الصنع أو غربية حديثة كي لا تكشف مساعدتها لجنوب السودان، ومع بداية وصول شحنات الأسلحة الإسرائيلية الى جنوب السودان، وصل أيضا مستشارون عسكريون إسرائيليون وأنضموا الى قواعد المتمردين، وذكر (جوزيف لاجو) إن السلاح الذي حصلت عليه حركة أنيانيا من إسرائيل غيّر موازين القوى، وعزز مكانة حركة أنيانيا وأصبحت مجهزة عسكريا ويحسب لها حساب من قبل الجيش السوداني.

وأستمر ذلك الدعم حتى عام 1972، وفي ذلك العام غيّر رئيس أوغندا (عيدي أمين) سياسته المسانده لإسرائيل وقطع علاقاته معها وأغلق سفارتها في كمبالا، وطرد جميع الإسرائيليين بمن فيهم المستشارين العسكريين، مما أدى الى توقف الدعم لحركة الأنيانيا عن طريق الأراضي الأوغندية، وتم نقل الأسلحة جوا بطائرات تمُر فوق الأجواء الإثيوبية، ولابد من الأخذ بنظر الأعتبار العلاقات الجيدة التي كانت للإمبراطور هيلاسيلاسي مع إسرائيل والذي سمح بإقامة مقر لتدريب المتمردين الجنوبيين في أراضيه، وفي الوقت نفسه فقد تعاطف مع حركة تحرير الجنوب بسبب دعم الخرطوم للمتمردين الإرتيريين الذين كانوا يقاتلون من أجل الإستقلال عن إثيوبيا، ثم الى كينيا ومنها الى جنوب السودان.[44]

أنقطع التواصل بين إسرائيل وجنوب السودان، بعد أن نجح الرئيس السوداني جعفر النميري في إبرام إتفاق أديس أبابا للسلام بين الشمال والجنوب عام 1972، وعمّ السلام في السودان لفترة تزيد عن عقد من الزمن، وما لبثت أن تجددت العلاقات الإسرائيلية – السودانية وبلغت ذروتها بموافقة النميري تحت الضغط الأمريكي على هجرة آلاف من الفلاشا من إثيوبيا عبر السوادن خلال الفترة من 1980-1985 مقابل الدعم المالي، والسماح بتخزين سلاح إسرائيلي في السودان لمصلحة قوى إيرانية مناهضة لنظام الخميني في إيران، وتدريب تلك القوات في الأراضي السودانية، فضلاً عن سماحه بإقامة قاعدة لجهاز المخابرات الإسرائيلية- الموساد في الخرطوم.[45]

وعلى الرغم من ذلك التعاون مع النميري، إلا أن إتفاق المصالحة لن يتوافق مع المصالح الإسرائيلية، فسعت لإذكاء الصراع من جديد من خلال إقناع الجنوبيين بأن صراعهم مصيري، يدور بين شمال عربي مسلم وجنوب مسيحي أفريقي. هذا الى جانب عوامل داخلية أخرى تتعلق بقيام الرئيس النميري بتعيين(أبل ألير) وهو من (الدنكا بور) رئيساً لمكتب شؤون الجنوب بالخرطوم بدلاً من (جوزيف لاجو)،  وقيامه  بتقسيم  الجنوب الى ثلاث أقاليم وهي (الإستوائية، أعالي النيل، وبحر الغزال)، ودمج بعض القوات الجنوبية مع الجيش في  الشمال، وهو ما قابله الجنوبيون بالرفض وأعتبروه  إلغاء لإتفاقية أديس أبابا التي وُقّعت عام 1972، وبدأوا بالضغط من أجل الحصول على الإستقلال الكامل وليس حكماً ذاتياً على منطقة إقليمية محدودة. [46]

وزاد الأمر تعقيدا تطبيق جعفر النميري الشريعة الإسلامية عام 1983 على كافة أنحاء البلاد، وفرض سيطرته على ثروات الجنوب خاصة بعد إكتشاف النفط فيه عام 1984، كل هذه الأسباب مجتمعة أدت الى إشعال شرارة الحرب الأهلية الثانية بقيادة (الحركة الشعبية لتحرير السودان) أو (الإنيانيا2) بقيادة (جون جارانج) عام 1983.[47]  وكانت أحد أهم أهدافها معاداة الأنظمة الحاكمة التي تدعو الى تطبيق الشريعة الإسلامية، وطالبت بإلغاء تطبيقها في الدستور، بحجة وجود جماعات إثنية غير إسلامية في الجنوب وبعض المناطق الشمالية، ونادت بتطبيق العلمانية في الحكم كشرط أساسي للمشاركة في أية حكومة مركزية مع الشمال*، وتلقّى أغلب قادة الحركة تأهليهم وتدريبهم من قبل المدارس التبشيرية التي نمّت روح العداء للأسلام والمسلمين، وعملت على تدريسهم اللغة الإنجليزية بدلا عن اللغة العربية، فأصبحوا يتحدثون بها بوصفها اللغة الرسمية لهم، وعملت على محاربة تدريس مادة اللغة العربية بحجة عدم ملائمتها للجنوبين، وأستقدمت مدرسين من دولة كينيا لتدريس الطلاب المنهج الكيني بدلا من مناهج الشمال الإسلامي العربي.

سعت الحركة لإقامة علاقات مع المجتمع الدولي، بعدما وجدت دعماً من النظام الإثيوبي بقيادة الإشتراكي (منجستو هايلى ماريام) الذي فتح أبواب دولته للحركة التي كانت تتبنى الخطاب الإشتراكي في بادئ الأمر ودعمها بالسلاح والتدريب.وفتح الباب أمام فرص جديدة للتدخل الإسرائيلي ودعم الحركة الشعبية لتحرير السودان التي برزت في الساحة العسكرية والسياسية منذ عام 1981، عبر تقديم أسلحة وذخيرة ومدافع وقاذفات وأجهزة إتصال ومواد طبية، وصلت عبر كينيا هذه المرة الى الجنوب السوداني.

كان (جون جارانج) همزة الوصل الرئيسة وبدأت إسرائيل الإتصال معه عام 1983، وكانت له علاقات مع سفير إسرائيل في نيروبي، وأول صفقة عقدتها  إسرائيل معه لقاء مبلغ( 500 مليون دولار) ساهمت الإستخبارات الأمريكية بجزء منها، دفع كرشوة للمتمردين لينسفوا معدات حفر قناة جونجلي نكاية بالمصريين وتمكنوا فعلا من إيقاف عمليات تنقيب النفط لشركة شيفرون والشركة الفرنسية لحفر قناة جونجلي[48]، وأنتشرت شبكات الموساد في جنوب السودان وجمعت معلومات عن الأوضاع العامة في الجنوب، ومعلومات خاصة عن (جون جارانج) الذي تلقى تعليمه في الجامعات الأمريكية وتلقى دورات عسكرية فيها، وبعد ذلك دورة عسكرية في كلية الأمن القومي الإسرائيلي. وتحدث (جون جارانج) عن فضل إسرائيل عليه وعلى حركته بالقول:( أنتم ظهر الجماعات والأقليات المقهورة، ولولاكم لما تحرر الأكراد من العبودية العربية، ولم ينفُض الجنوبيون في السودان عن كاهلهم غبار الخضوع والذل والعبودية، ونحن نتطلع الى إستمرار هذا الدور حتى بعد أن يتمكن الجنوبيون من تشكيل كيان سياسي وقومي خاص بهم، مسلحاً ومنفصلاً عن سيطرة  الشمال).[49] ولم يُخف إعجابه بالتجربة الصهيونية حين يقول:(ولنا في إسرائيل مثل، إذ نراها مدعومة بصورة كبيرة، بوسيلة أو بأخرى بملايين قليلة من يهود الدياسبورا).[50]

نشطت علاقات التعاون عام 1985  بين الحركة وإسرائيل بتقديم الدعم المالي والعسكري وإلتحق عدد من الضباط الجنوبيون بالمعاهد العسكرية الإسرائيلية لأغراض التدريب، وبعد الإطاحة بنظام النميري وإعلان الحكومة العسكرية الإنتقالية بقيادة (عبد الرحمن محمد سوار الذهب) التي أستمرت لعام واحد وبعدها تأسست الحكومة الإئتلافية ووصول حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي الى سدة الحكم في يوليو/1986، حققت الحركة نجاحات متواصلة وتمكننت من السيطرة على كل من (Pior، Ayod، Jokau، Kapoeta، Fashoda، Bentiu، Maridi) وألحقت خسائر فادحة بالحاميات الحكومية، وتم تدمير مستودع للوقود في مطار(Malakal).[51]

وقّع (جون جارانج) إتفاقيات مع إسرائيل لتزويده بالخبراء الذين أصبحوا يتوافدون على الجنوب منذ العام 1989 والذين  وصل عددهم الى 15 خبيراً شاركوا في وضع الخطط الحربية، وكان لهم دور في سقوط بعض المدن الجنوبية، كما إن المئات من الضباط الصهاينة من ذوي الأصول الإثيوبية- الفلاشا كانوا تحت إمرته، الى جانب تزويده بالمعدات اللوجستية والتقنيات والأسلحة المتقدمة عبر دول أفريقية ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، مثل إثيوبيا وأوغندا وكينيا، وتدريب قياداته العسكرية في قواعد عسكرية إسرائيلية في منطقة النقب، ومشاركتها في وضع الخطط وإدارة العمليات العسكرية والإشتراك بالقتال الى جانب الإنفصاليين ضد الجيش السوداني، وتم إنشاء مطارات سرية في المنطقة الجنوبية لتنظيم حركة تهريب السلاح والعتاد، بالتعاون مع دول أفريقية وبدعم أمريكي أوروبي وإيجاد جســـر جوي الى مناطق التمرد. [52]

على الرغم من مرور الحركة بفترة عصيبة، تزامنت مع وصول (عمر البشير) الى السلطة في 30يونيو1989 على أثر إنقلاب غير دموي على حكومة الصادق المهدي من قبل صغار الضباط الساخطين من إستيلاء الحكومة، وكان هذا الإنقلاب بمثابة ثورة لفرض الثقافة العربية والاسلاميين السلفين على السودان ككل ، المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وقد فقدت الحركة الدعم الإثيوبي على أثر تسلم الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية في إثيوبيا والتي دعمت وبقوة حكومة الخرطوم الجديدة، وأجبرت ما يقارب 250 ألف لاجيء من جنوب السودان على الأنتقال الى أعالي النيل، ولاقى الآلآف حتفهم جراء المرض وسوء التغذية[53]، وقد ساهم تفكك الدعم الإثيوبي في تقليص شعبية ( جارانج) وحدث إنشقاق في صفوف الحركة وتعرض ( جون جارانج ) الى مؤامرة من قبل مساعديه في القيادات السياسية والعسكرية العليا وهم Lam Akol-Ajawin,Teny-Dhurgon,RickMacher)) وأعلنوا تشكيل حركة جديدة أطلقوا عليها إســــــــم( الجيش الشعبي لتحرير السوادن- الناصر) وتعاونت مع حكومة الخرطوم وساهمت بتوريد السلاح إليهم، رغبة منها في شق صفوف المعارضة الجنوبية، ولوّحت لهم بحق تقرير المصير، ورأت هذه الفصائل الجنوبية الإنفصالية من جانبها إن الحكومة السودانية تمثل دعماً وسنداً لها ضد سيطرة الدنكا المهيمنة على الحركة الشعبية [54]، إلا إنه سرعان ما كشف (جارانج) المؤامرة وتراجعت عن موقفها. وتزامن مع هذا حدوث حرب أهلية بين جماعة النوير وجماعة الدنكا، جراء قيام جماعة النوير المسلحين من قبل حكومة الخرطوم وشكلوا ما يسمى بـ(الجيش الأبيض)  بغزو مدينة بور التي تعيش فيها جماعة الدنكا وذبح الآف من نساء وأطفال الدنكا وكبار السن، وتمكن ( جارانج ) من حشد جيش كبير وتمكن من إستعادة مدينة (بور)، وعزز جارانج سيطرته من جديد على الحركة وإستعاد معظم الأراضي التي سيطرت عليها المعارضة وبقيت صفوف الدنكا الوحيدة الموالية لـ(جارانج). [55]

توحدت صفوف الحركة من جديد وحضرت مؤتمر(أبوجا) في نيجيريا تحت مظلة الحركة الشعبية، من أجل التوصل الى سلام بين الحكومة في الخرطوم والجيش الشعبي لتحرير السودان، وأصرت الحركة بعد أن كانت منقسمة الى فريقين( فريق جناح توريت بقيادة جون جارانج) وفريق (حركة جناح الناصر بقيادة رياك مشار)، على المطالبة بالإنفصال وحق تقرير المصير وباءت جهود المؤتمر بالفشل . [56] وأعلن (جون جارانج) أمام المؤتمر الأفريقي السابع المنعقد في كمبالا في أبريل/1994 ما نصه: الجلابة (يقصد العرب) عبارة عن هجين عناصر عرقية وجنسيات مختلفة تضم:أهالي أفريقيين، ومهاجرين عرب وأتراك وإغريق وأرمن..ألخ) ويضيف:( إن الجلابة الذين سجلوا أنفسهم في إحصاء 1955، يشكلون 31 بالمئة من عدد سكان السودان، في حين أن 61 بالمئة سجلوا أنفسهم كأفارقة) ثم يذهب الى القول:( لقد وجد الجلابة أنفسهم أقلية حاكمة متميزة طبقت أيديولوجية العروبة والإسلام السياسي لحماية مراكزها الإقتصادية والسياسية في المجتمع السوداني، ومأساة الجلابة كجماعة إجتماعية تكمن في نظرتهم العربية الإسلامية، وفشلهم في النظر أبعد من هذين المعيارين – العروبة والإسلام-كعاملين وحيدين لتوحيد السودان).[57]

ويتضح من ذلك، إنه يقصد إن السودانيين الشماليين العرب مهيمنين سياسياً وإقتصادياً، رغم إنهم يشكلون أقلية بالنسبة لمجموع سكان البلاد، ويرون أنفسهم عربا في المقام الأول، ويسعون  لفرض هويتهم في كافة أنحاء البلاد ليشمل كل سكان الجنوب الذين يمثلون الأغلبية الساحقة، ولابد من الدفاع ضد فرض الهوية العربية والإسلامية على البلاد، وشجع على التمرد ضد الشريعة الإسلامية التي فرضت من قبل الحكومة على كافة أنحاء البلاد.

وإنطلاقا من تلك الإعتبارات، كان (جون جارانج) يرى إن إستقلال الجنوب وإنفصاله عن الشمال واجب ديني وفقا لما ورد في إسطورة في العهد القديم تنص على إن ( الطوال السود حرروا أورشليم من دنس الغزاة الكلدانيين)[58] فأراد جارانج أن يرفع الظلم والأضرار الناجمة عن الإسلام الراديكالي إضافة الى أن إستقلال جنوب السودان مع جماعة الدنكا الكبرى هو تحقيق لنبوءات العهد االقديم التي وردت في سفر إشعياء الفصل الثامن عشر في القرن الثامن قبل الميلاد، حول مصير أرض الأفارقة السود في كوش بجانب نهر النيل العلوي وتشير الآية الى تكوين أمة جديدة في جنوب السودان. [59]

وأتخذت إسرائيل قرارا عام 2001 بتطوير مستوى الدعم العسكري للحركة ووضعت تحت  تصرف(جون جارانج) مجموعة من الضباط في الجيش الإسرائيلي لتدريب الجيش الشعبي لتحرير السودان وتسليحه، إضافة الى حشد تأييد الرأي العالمي تحت عنوان( مجموعة بشرية تعاني الإضطهاد والقمع من جانب سلطة إسلامية متزمتة)، فيما تبنى اللوبي الصهيوني قضية الجنوب السوداني وأتخذها ذريعه للتدخل الدائم في الشأن السوداني، مما أسفر عن ضم السودان الى قائمة الدول الراعية للإرهاب وتطبيق حظر إقتصادي ومالي عليه، غضافة الى دفع أزمة دارفور الى سُلّم الأهتمام العالمي لتأليب الرأي العام العالمي ضد حكومة الشمال لإرتكابها إبادة جماعية وتطهير عرقي ضد الجنوب، وأسهمت الجاليات اليهودية في الدول الأوربية الأخرى للترويج لقضية الجنوب على إنها إشكالية تحرر وإنعتاق، وتشير المعطيات الرقمية الى تلقي الجنوب السوداني زهاء مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة الامريكية بحسب تصريحات رئيس بعثة جنوب السودان الى الولايات المتحدة الأمريكية (حزقيال لول جانكوث) في حين قدرت قيمة المساعدات الإسرائيلية للجماعات المسلحة في جنوب السودان بنحو 500 مليون دولار خلال السنوات الاخيرة، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتغطية الجانب الأكبر منها. [60]

وبقيت إسرائيل تقف عائقا أمام أية جهود لإرساء المصالحه أو إيجاد الحلول في الجنوب، وتمكنت الحركة بفضل الدعم الإسرائيلي أن تشكل قوة تمكنها من توسيع نفوذها على نطاق واسع في مناطق جنوب السودان، ونجحت في إبرام (إتفاقية السلام  الشامل – نيفاشاعام 2005 ) مع حكومة الشمال والتي أنهت الحرب الأهلية على أثرها، وحققت الحركة  منها مكاسب كثيرة سواء على مستوى السلطة أو الثروات، وتحت ضغط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية على الإدارة الأمريكية  في البيت الأبيض من أجل إجراء إستفتاء على الإنفصال بين الشمال والجنوب، يكون بذلك إنفصالا قانونياً شرعياً في إطار الإتفاق الذي تم توقيعه في عام 2005، وبمبادرة من الرئيس الأمريكي(جورج بوش)، وهو الإستفتاء التاريخي الذي أختار فيه (98,8%) من الجنوبيين الإنفصال ورفض البقاء ضمن دولة سودانية موحدة، بعد خمس عقود من الحرب الأهلية التي راح ضحيتها الملايين من كلا الجانبين، فضلا عن دور الناشطين الأمريكيين من أصول أفريقية داخل الكونكرس الأمريكي، ودور المنظمات المسيحية الأنجيليكانية التي حاولت توظيف الطابع الديني في الصراعات الدائرة في كل أنحاء السودان، فضلا عن تقارير المنظمات غير الحكومية والبعثات التبشيرية التي أشارت الى تجار الرقيق ووجود الرق والعبودية الذي كان له الأثر الكبير للأنحياز الأمريكي والدفع بإتجاه تكريس الإنقسام. [61]

وذهب (جون جارانج) الى أبعد من ذلك عندما تحدث عن نظرية الإحلال والإبدال بين نموذجين، ويقصد النموذج الإسلامي والعربي من جهة والنموذج العلماني الأفريقي من جهة أخرى، إذ أوضح: (نريد طرد العرب والمسلمين من السودان كما طردوا من الأندلس، وقد طال بقاؤهم)[62] ، بإعتبار العرب  يشكلون أقلية في السودان وليس الأغلبية.

على الرغم من إن الحركة كانت تشارك في حكم الشمال بنسبة 28% وفق إتفاق نيفاشا، ظل (جون جارانج) يبشر بالمشروع، حتى إنه صرح في خطابه في حفل توقيع إتفاقية السلام في 9 يناير2005 بالقـول:( أما الحل لمشكلة السودان الأساسية فهو إنشاء وتطوير دولة سودانية تضم الجميع، أطلق عليها تسمية “السودان الجديد”، والحكم السوداني الجديد سيشترك فيه كل السودانيين على قدم المساواة، بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو قبيلتهم أو جنسهم، وإذا لم ينجح هذا الحل سنبحث عن حلول أخرى، مثل تقسيم البلاد. لكننا نؤمن أن السودان الجديد ممكن! والسؤال المطروح هنا هل هناك أساس للسودان الجديد؟ وإجابتي هي: نعم هناك أساس وهذه الإجابة التوكيدية هي التي وجهت ودعمت رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان طوال الواحد والعشرين سنة الماضية. ومكنتنا من التوصل الى إتفاقية السلام الشامل)[63]، وبعد توقيع الإتفاق دبرت  إسرائيل حادثة إغتيال لـ(جون جارانج) بسقوط طائرته أثناء العودة من أوغندا الى جنوب السودان في 31يوليو2005 بحجة إنه بدأ يميل لوحدة السودان.

تولى (سلفاكير مارديت) رئاسة الحركة بعد (جارانج)، ودخل في صراع مع أتباع الأخير المؤيدين لفكرة وحدة السودان لتنفيذ مشروعهم (السودان الجديد) بينما يرغب رئيس الحركة الجديد بالإنفصال، وصرح يوم تنصيبه رئيسا للحركة بالقول:( إن زمن الوحدة قد ولّى)[64]، وبدأت إسرائيل بتزويد الحركة بعد توقيع إتفاق نيفاشا عام 2005 بكميات ضخمة من الأسلحة تتضمن دبابات ومروحيات ومدفعية لتمكين قوات الجنوب من الإستعداد لإحتمالية تجدد القتال بينها وبين النظام الحاكم في الخرطوم[65]، ومن الملاحظ إن نتيجة الإستفتاء في جنوب السودان الذي تم في يناير2011، أقرت خيار الإنفصال بأغلبية ساحقة وصلت الى نحو 99 في المئة من إجمالي الأصوات الصحيحة،  ليكون دولته المستقلة التي أعلن عنها رسميا في التاسع من يوليو2011(. [66](أنظر الخريطة رقم-3-  توزيع الجماعات الإثنية في جنوب السوان بعد الإنفصال).

سارعت إسرائيل الى الإعتراف بدولة جنوب السودان بعد يوم واحد من إعلان إستقلالها، وأعلنت عن فتح قنصلية تابعه لها في جوبا، أتبعتها تأكيد لدعم العلاقات الإقتصادية والدبلوماسية، وتبادل السفراء وتسيير رحلات جوية مشتركة، إذ صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) لحكومته بالقول:( أود أن أعلن إن إسرائيل تعترف بجنوب السودان وتتمنى له النجاح، وننشد السلام للبلاد، ونكون سعداء للتعاون معهم من أجل ضمان التنمية والإزدهار).[67]

وبعد أيام قليلة من إعلان الدولة الجديدة، بدأ الطرفان بتبادل الزيارات الرسمية بينهما، ففي 28يوليو2011 زار وفد إسرائيلي العاصمة جوبا، وإجرى محادثات مع كبار المسؤولين الحكوميين، وأعلنت وزراة الخارجية الإسرائيلية إن إسرائيل ستقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع دولة جنوب السودان، وعين (HananGoder) أول سفير لإسرائيل في جنوب السودان، غير مقيم ومقره في وزراة الخارجية بالقدس[68]، وبالمثل أعلن الرئيس (سلفاكير)  في الوقت نفسه عن  إن بلاده تعتزم فتح سفارة لها في القدس العاصمة التاريخية وليس في العاصمة السياسية تل أبيب، تعبيرا عن الروابط القوية مع الثقافة اليهودية، وتحقيقا لنبؤة العهد القديم الى تكوين أمة جديدة في جنوب السودان، حتى إن بعض القادة النشطين في الحركة طالبوا بإرسال ممثلين عن الكنيسة من أجل الحج لإسرائيل لتقديم هدية مناسبة الى الرب في جبل صهيون[69]، بعد أن تحققت نبؤة الإنفصال وتكوين الأمة الجديدة، والإمتنان للدعم الذي قدمته  إسرائيل لجنوب السودان منذ فترات طويلة.

وأعرب (سلفاكير) عن شكره للمساعدات التاريخية وإعجابه بإسرائيل أثناء زيارته اليها أواخر ديسمبر2011، حين قال:( أنا سعيد للغاية لوجودي في إسرائيل والسير على تراب أرض الميعاد ولاشك إن شعب جنوب السودان بأسره يشعر معي بهذه السعادة) وأشار:( بدونكم لما قامت لنا قائمة، لقد ناضلتم معنا من أجل إستقلال جنوب السودان، ونحن حريصون على التعلم من تجاربكم وخبراتكم الواسعة)[70]، وأشار الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز :إن إسرائيل لديها مصالح دائمة من أجل تطوير ودعم بلدان شرق أفريقيا بقوله:( نحن نعلم إنكم ناضلتم بكل شجاعة وحكمة وواجهتم جميع الصعاب من أجل إقامة بلدكم وبالنسبة لنا فأن ولادة دولة جنوب السودان هي علامة فارقة في تاريخ الشرق الأوسط لتعزيز قيم الحرية والمساواة والسعي نحو السلام وإقامة علاقات حسن الجوار). [71]

ومن اللافت للانتباه أن زيارة (سلفاكير) كانت لمدة 24 ساعة فقط، إلا أنه كان حريصا على زيارة متحف تاريخ المحرقة اليهودية (ياد فاشيم)[72]، ولعل ذلك يعكس في رمزيته التشابه في  معاناة كل من الشعب اليهودي وشعب جنوب السودان في مواجهة الظلم والتمييز العنصري، وكانت هذه الزيارة الرسمية إيذانا لدخول العلاقات التحالفية بين الدولتين مرحلة رسمية من التعاون الإستراتيجي.

وباشرت إسرائيل بعقد إتفاقاتها مع حكومة جنوب السودان، والتي نصت على تمويله بصفقة طائرات مروحية هجومية لتسليح جيش الجنوب الجديد، في إطار إستكمال منظومة التسليح عن طريق مد جسر جوي من تل أبيب الى العاصمة (جوبا) لتدريب قوات الجيش الجنوبي تحسبا لنشوب حرب بينه وبين شمال السودان، مع وصول حشد من الخبراء الصهاينة ( قرابة ألف خبير) في مختلف المجالات لتقديم المساعدات ونقل الخبرة. هذا لأن إسرائيل ترغب في تعزيز دفاعها وأمنها القومي قبل كل شيء، إذ أن الأسلحة التي تصل الى حركة حماس في قطاع غزة تمر عبر السودان أو الأنفاق والممرات الموجودة في منطقة سيناء المصرية، ويكون من السهل على سلاح الجو الإسرائيلي تدمير هذه الأهداف والقوافل إنطلاقا من جنوب السودان، كما فعلت ذلك من قبل في شهري نوفمبر وديسمبر من العام 2011، عندما دمرت الصواريخ والأسلحة والعتاد الذاهب الى حركة حماس، تلك الأسلحة سواء كانت إيرانية الصنع أم روسية أو صينية، وهكذا فأن التحالف الإستراتيجي مع الجنوب سيسمح لإسرائيل بإمتلاك قاعدة ونقطة إرتكاز تقنية للطائرات المقاتلة الإسرائيلية كي لا تكون مجبرة على القيام بهجمات بعيدة عن إسرائيل، ويرى المتابعون للسياسة الإسرائيلية أن إسرائيل أضحت اليوم تتبنى بعدا إستراتيجيا جديدا لمواجهة التداعيات المستقبلية لثورات الربيع العربي الذي عصف ويعصف بالدول العربية الواحدة تلو الأخرى، إذ أن هذه المتغيرات قد تفرز في المستقبل أنظمة حكم جديدة تتبنى الفكر الإسلامي الراديكالي وهي أنظمة تهدد إسرائيل في صميم وجودها، لذلك تتجه صوب القارة الأفريقية جنوب الصحراء لإقامة تجمع أفريقي غير إسلامي في ظل التوجهات الإسرائيلية، وراعيتها تكون دولة جنوب السودان الفتية رأس الحربة الأفريقية لهذا التجمع المرتقب الذي يضم (كينيا،أوغندا، إثيوبيا، جنوب السودان) بهدف إقامة حزام طوق ضد الدول العربية التي تشهد صعودا للتيار الإسلامي لنظم الحكم فيها بعد إندلاع ما يسمى بالثورات العربية، وبتناغم مع طروحات الولايات المتحدة الأمريكية ضمن مبادرتها لمشروع (القرن الأفريقي الكبير) لعام 1994.[73]

وعلى هامش توقيع إسرائيل ودولة جنوب السودان يوم 24/يوليو/2012 إتفاقية تعاون حول البنية التحتية للمياه والتكنولوجيا والزراعة، وتعد الأولى بين الجانبين، حرص وزير الطاقة الجنوبي(أكيك بول مايوم) بالتأكيد على إن ( هناك وجه شبه كبير بين تجربة إسرائيل وجنوب السودان، من حيث التحديات الوجودية، ومن حيث نوعية البشر الذين لا يريدون لنا ولكم الحياة، فجنوب السودان فقد 2,5 مليون نسمة من شعبه، واليهود فقدوا ملايين ومن واجب كلينا أن نسعى كي لا يتم تكرار هذه الإبادة).[74]

إن سرعة رد فعل إسرائيل والأعتراف الفوري بالدولة الجديدة هدفه أن تكون دولة جنوب السودان حليفا إستراتيجيا لإسرائيل، بحكم  مكانتها الجيوبولتيكية  في منطقة شرق أفريقيا(المنطقة التي تهيمن عليها الأنظمة الإسلامية) وقربها من منابع النيل ومنطقة البحر الأحمر، ومواردها الإقتصادية غير المستغلة لحد الأن،   التي تؤهلها لأن تؤدي دور مستقبليا لمصلحة القوى المعادية للمصالح العربية والإسلامية وحتما لإسرائيل.

وإزاء ما تقدم، فأن التنازع الإثني في السودان الذي كان مصدره الأساس السياسة الإستعمارية ثم السياسة الحكومية التي فشلت في إدارة السودان بصورة صحيحة، مما  أدخل البلاد في حرب أهلية طويلة، أنهكته عسكريا وإقتصاديا وإجتماعيا، وفتحت الباب لتدخل إقليمي واسع كان ينصب أغلبه في مصالح الجنوبيين وبالضد من حكومة الشمال، وجاء التحرك الإسرائيلي نحو جنوب السودان بدعمه وتقوية جماعة الدنكا المعارضة للسلطة مستغلة إدعائها للأصول اليهودية، وتعرضها لنفس المعاناة والظلم والتمييز العنصري،  مما أسهم في دعم حركات التمرد وبلورة أهدافها سياسيا وعسكريا بالإنتقال من تحسين أوضاع الجنوب الى مرحلة المطالبة بالإنفصال، بما يضعف الوحدة الوطنية ويفتت الدولة الى دول شمال وأخرى جنوب ولكل منهما إيديلوجيته المختلفة، ولقد حققت إستراتيجية شد الأطراف وبترها التي صاغها بن غوريون نجاحا كاملا في الحالة السودانية بفصل جنوب السودان وميلاد دولته الجديدة في يوليو/2011، وبذلك عدّ الجنوبيون أنفسهم حركة تحرر تقاوم القهر والإضطهاد من مواطني الشمال في السودان، وقطفت ثمار نضالها بطرد الإستعمار وتحقيق الإستقلال، وأنشأوا حلفهم مع إسرائيل لكونها تشترك معهم في معاداة العرب، وبدون أدنى شك كان إنفصال جنوب السودان عن شماله والإعلان عن قيام دولة مستقلة هو بمثابة حلم يراود قادة إسرائيل.

خاتمة:

لم تنصرف السياسة الخارجية الإسرائيلية الى نقل الدنكا لداخل إسرائيل، لإعتبارات عدة أهمها دورهم السياسي في جنوب السودان، وبحكم قوتهم العددية فمساحة فلسطين لا تكف لإستيعابهم، ومن الملاحظ ان لجماعة الدنكا دور وظيفي خارج إسرائيل، تمثل بالأتي:

  1. أستطاع الدنكا أن يحققوا قضم أطراف العالم العربي بقطع جنوب السودان بسيطرة دنكاوية كاملة عليه.
  2. من الممكن أستخدامهم في السيطرة على السودان بالكامل، فمازال الجنوب ينظر للشمال على إنه أرض الدنكا، وما زال فرع الحركة الشعبية لتحرير السودان يعمل في الشمال، وفي ضوء عدم التوصل لحلول بخصوص المسائل العالقة بين دولة شمال السودان والدولة الجديدة،  بشأن ترسيم الحدود والمناطق الغنية بالثروات المتنازع عليها فأحتمال قيام حرب مجددة بين الطرفين قائما وبدعم من إسرائيل والقوى الخارجية، وما يؤكد صحة هذا الأفتراض حادث الإغتيال المدبر لقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان(جون جارانج) بعد أن أخذ يطالب بسودان علماني موحد جديد، فلو تمكن الدنكا من فرض سيطرتهم الكاملة على السودان بأكمله، يتسبب هذا بمزيد من المشاكل للدول العربية الأفريقية وخصوصا مصر، فالسودان يمثل العمق الإستراتيجي لها،  وإنفصاله يؤدي الى إمكانية تغير الملامح الإستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي، فبعد تدمير الصومال وطمس هويته العربية منذ تسعينات القرن الماضي، الى جانب الوجود العسكري الأمريكي في جيبوتي، مما يساعد على  إعادة صياغة تحالفات إقليمية جديدة تؤثر على منظومة أمن دول الجوار العربية وعلى رأسها مصر، وتهديد وجودي لها على الأقل في المرحلة الراهنة بإعتبارها القوة العربية الوحيدة القادرة على المواجهة.
  3. لم تكتف إسرائيل بإنفصال جنوب السودان فقط، وانما أتجهت الى دعم حركات التمرد في النيل الأزرق، جنوب كردفان، ودارفور، إستكمالا لإستراتيجية شد الأطراف وبترها عن المركز، فأنتهجت إستراتيجية الإحاطة والعزلة وهو ما يجري تطبيقه في إطار الأزمة في دارفور، إذ نجحت إسرائيل من خلال وجودها في جنوب السودان من تجنيد عناصر من إقليم دارفور من ذوي الأصول الأفريقية، لاسيما المنتمين لحركة العدل والمساواة وتدريب أعضائها على أيدي قادة في الجيش الإسرائيلي، على غرار ما حدث في جنوب السودان سعيا لتكرار سيناريو جنوب السودان فالانفصال يمكن ان يحتذى به في أقاليم أخرى موالية لإسرائيل، بهدف تمزيق وحدة الدولة السودانية وتفتيتها وصولا الى إنهيارها.
  4. ربطت إسرائيل السودان ضمن منظومة الحرب على الإرهاب، حتى يبارك الغرب إستراتيجية تفكيكه وتقطيع أوصاله بإعتباره يهدد إستقرارها. وتحت راية مكافحة الأرهاب، سيدفع الدول الأفريقية جنوب الصحراء وبعون غربي الى الزحف شمالا تمهيدا لإقامة الدولة النوبية(شمال السودان وجنوب مصر)، والدولة القبطية والدولة الأمازيغية ( من واحة سيوه حتى جزر الكناري)، لإنهاء الوجود العربي في القارة الأفريقية.

الخارطة رقم -1-

جماعات  الدنكا الرئيسة ومناطق إنتشارها

 المصدر:

Stephanic F. Beswick ,  Violence, Ethnicity,and Political Consolidation in South Sudan: A History of The Dinka and there relation with their neighbors, PhD thesis, (United states  of America: Michigan state University, 1998), p.xxv.

الخارطة رقم -2-

هجرة الدنكا حسب التواريخ الشفوية

المصدر:

Stephanic F. Beswick, Violence, Ethnicity and Political Consolidation in South Sudan:AHistry of Dinka and their relation with their neighbors, PhD thesis ( United states  of America: Michigan state University, 1998) , p.xix.

 

 

الخارطة رقم -3-

توزيع الجماعات الإثنية في جنوب السودان بعد الإنفصال

المصدر:

UN office for the coordination of  Humanitarian Affairs, Published  on 24 Dec. 2009.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]-Stephanic F. Beswick, Violence, Ethnicity, and Political Consolidation in South Sud

an: A History of The Dinka and there relation with their neighbors, PhD thesis (United states of America: Michigan state University, 1998),p.4.

[2]The Dinka of Sudan, Available at:http://afritorial.com/tribe-the-dinka-of-sudan.

*صنف علماء الأنثروبولوجيا سكان جنوب السودان إستنادا الى لهجاتهم وأوصافهم الجسمية وجذورهم التاريخية الى ثلاث مجاميع رئيسة وهي: النيليون، النيليون الحاميون، القبائل السودانية،  وأطلق إسم النيليون على الجماعات التي تعيش بالقرب من نهر النيل وهي (الدنكا، النوير، الشلك، الأتواك) التي تعتمد على الزراعة وتربية الماشية، وأما النيليون الحاميون فقد أطلق عليهم هذا الأسم لإشتراكهم مع المجموعات النيلية في الكثير من السمات الأساسية، وفي نمط الحياة الإقتصادية، ولكنهم يختلفون عنهم في لون بشرتهم فهم أقل سوادا من النيليين ويتكونون من مجاميع عدة وهي(المورلي، الدينجا، البولى). أما القبائل السودانية فتتألف من القبائل الجديدة الصغيرة الحجم تسكن المناطق الغربية من النيل، والجنوبية من جنوب السودان. =

= للمزيد أنظر: د. عبد الملك عودة، مستقبل جنوب السودان بين وحدة الدولة والإنفصال، مجلة السياسة الدولية (القاهرة، مؤسسة الإهرام، العدد 109، يوليو1992)، ص ص 7-8.

[3]– الدنكا إمتداد العرق الزنجي الحامي في الدولة السودانية، مجلة أفريقيا قارتنا (القاهرة: الهيئة العامة للإستعلامات،العدد السابع، سبتمبر 2013)، ص 1.

[4]– Stephanic F. Beswick ,Op.cit, p. 4.

[5]– بول قاك، نظرة تاريخية لثقافات الدنكا(مونجانق) وتراثهم، مجلة ثقافات سودانية(القاهرة: المركز السوداني للثقافة والإعلام، ، العدد التجريبي،1995)، ص ص 62-63.

[6]– Stephanic F. Beswick,Op.cit, p. 5.

[7]Dinka  People: The Great Cattle Herders Of Sudan, Available at: https://kwekudee-tripdownmemorylane.blogspot.com.eg/2012/10/dinka-people-great-cattle-herders-of.html.

[8]– Roberts, D. F, Bainbridge, “Nilotic physique”, Journal of Physical Anthropology,(United States:  John Wiley & Sons for the American Association of Physical Anthropologists, Vol.  21,No. 3,1963),pp.  341–345.

[9]– Ibid, pp. 50-55.

[10]– بول قاك، م. س. ذ، ص 63.

[11]– د.فرنسيس دينق، محمد علي جادين(مترجم)، مشكلة الهوية في السودان أسس التكامل القومي ( القاهرة:مركز الدراسات السودانية ،1999)، ص ص146-147.

[12]– بول قاك، م. س. ذ. ، ص 65.

[13]– Rainer Rothfuss and Yakubu Joseph, The Role of Religion in the formation of a new state on the world map: South Sudan,  In : Stanly D. Brunn (ed. ),  The Changing World Religion Map: Sacred places, Identities, Practices and Politics(USA: Library of Congress,2015),p.3532.

[14]– بول قاك، م. س. ذ ، ص 65.

[15]–  هاشم محمد الامين ،السودان :الارض،الموارد والسكان”دراسه جيوبولتيكية فى وحدة اراضى القطر ،  مجلة دراسات أفريقية،    (الخرطوم: مركز البحوث والدراسات الأفريقية، العدد 36) الموقع الإليكتروني الأتي:http://www.iua.edu.sd/iua_magazine/african_studies/36/36index.htm

[16]– Stephanic F. Beswick   , Op.cit, Pp. 411-420.

[17]– Ibid, p. 64.

[18]– Ibid,p. 65.

1- د.علياء حسين، الدينكاويون في القاهرة والخرطوم دراسة ميدانية في الأنثروبولوجية الإجتماعية(القاهرة: مكتبة جزيرة الورد،2013)، ص ص 120-123.

[20]– F.Beswick, Non – Acceptance of Islam in the South Sudan: The Case of the Dinka from Colonial period to Independence 1952, North east African studies,( Michigan: Michigan studies university press Vol. 1,No.2/3, 1994),p.30.

[21]– د. فرنسيس دينق، عوض حسن محمد (مترجم)، صراع الرؤى نزاع الهويات في السودان (القاهرة:مركز الدراسات السودانية،1999)، ص196.

[22]– د.علياء حسين، م. س. ذ ، ص 125.

[23]– د. عبد العزيزراغب، الحياة الإقتصادية والإجتماعية لقبيلة الدنكا في جنوب السودان دراسة أنثروبولوجية، في: أعمال ندوة  الدنكا ومشكلة جنوب السودان( قسم الإنثروبولوجيا، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 6يونيو2001(، ص 170.

[24]– م.س.، ص ص 170-171.

[25]– م. س. ، ص ص 199-201.

[26]– د.سلوى يوسف درويش، النسق السياسي عند الدنكا، في: أعمال ندوة الدنكا ومشكلة جنوب السودان، م.س. ذ. ، ص 215.

[27]– Stephanic F. Beswick  ,Op.cit, Pp.206-208.

[28]– د. فرنسيس دينق، م. س. ذ.، ص 74.

[29] – د. سلوى يوسف درويش، م. س. ذ. ، 237.

*قسم الإقليم الجنوبي وفقا لحدود عام 1956، الى ثلاث مقاطعات هي:(بحر الغزال، أعالي النيل، والإستوائية) وكانت تلك المقاطعات تدار ككيان سياسي واحد يشار إليه بـ(حكومة جنوب السودان الإقليمية)، ولكن سرعان ما شهدت البلاد العديد من التغيرات أولها وبسبب نوايا الحكومة الشمالية بالسيطرة على الجنوب، الى جانب المنافسات الإثنية الشخصية بين السياسيين الجنوبين، تم تقسيم المنطقة الجنوبية عام 1983 الى ثلاثة أقسام منفصلة، وبوصول الجبهة الإسلامية القومية الى السلطة عن طريق الإنقلاب العسكري في عام 1989، أعيد تقسيم المنطقة  الجنوبية الى عشر ولايات وهي: أعالي النيل، الوحدة، جونجلي، راب، شمال بحر الغزال، بحر الغزال الغربية، البحيرات، شرق الإستوائية،الإستوائية الوسطى، الغربية الإستوائية. وهناك إختلاف بين الحكومة بالشمال مع الحركة الشعبية لتحرير السودان حول تلك التقسميات، فالأخيرة تضم إليها بالإضافة الى الأقاليم الثلاث(أعالي النيل، بحر الغزال،الإستوائية) جبل النوبة، جنوب النيل الأزرق ومقاطعة آبيي، وتنطلق من وجهة نظر مفادها إن هذه المناطق تتقاسم مع الجنوب تجربة مشتركة من القمع والتهميش من قبل الحكومة المركزية(قبل الإنفصال)= =وشعبها متحالف مع الحركة الشعبية من أجل التخلص من هذا الظلم ومشارك بالحرب الأهلية الثانية من 1983ولغاية 2005، وظل هذا التقسيم محل تنازع ونقاش سياسي لفترات طويلة قبل الإنفصال وبعده. للمزيد أنظر:

Douglas H. Jonson, Roots of The North-South Conflict In Sudan, The Middle East Quarterly (Bloomington: Indiana University Press, Vol.(11),No.(2),Spring 2004(,pp.18-19.

[30]– د. فرنسيس دينق، شمس الدين الأمين(مترجم)، الدنكا في السودان (القاهرة: مركز الدراسات السودانية، 2001)، ص ص 232-235.

[31] عبد الرحمن حسن، الصراع في القرن الأفريقي وإنعكاساته على الأمن القومي العربي، مجلة المستقبل العربي(بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، العدد157،1993)، ص 86.

[32]– عبد الوهاب أفندي، السلام الصعب في السودان، مجلة المستقبل العربي )بيروت:مركز دراسات الوحدةالعربية، العدد286، 2002)، ص ص 24-40.

[33]– للمزيد من التفصيل عن تصعيد مشكلة الجنوب أنظر: د.إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية (القاهرة: دار إكتشاف، 2011)، ص ص 85-100.

* جرت بين حزب الامة واسرائيل في الفترة الممتدة بين عامي 1954-1958 إتصالات وإجتماعات كثيرة ومفاوضات متشعبة حول مسألتين أساسيتين لمواجهة ما أعتبره عدوها المشترك المتمثل في مصر، دارت المسألة الاولى حول تقديم إسرائيل مساعدات مالية لحزب الأمة على شكل قروض لتمكينه من مواجهة  النفوذ المصري في السودان، ومواجهة الاحزاب السودانية التي لا تعتبر مصر عدوا، والمسألة الثانية إقامة مشاريع إقتصادية  إستثمارية في السودان، تدر أرباحا مالية على حزب الأمة ومن أجل الحصول على المال الكافي لدعم حزب الأمة السوداني، والبحث عن شركاء لتحقيق الاهداف الإسرائيلية  في السودان، وان التدخل الاسرائيلي في تلك الفترة بالسودان كان جزءا من استراتيجية شاملة بقيادة بن غوريون ضد مصر= = = = بزعامةعبد الناصر. وأستمرت العلاقات الودية بين حكومة السودان وحزب الامة مع اسرائيل الى ما بعد العدوان الثلاثي على مصر عام1956، وشملت هذه العلاقات تعاونا محدودا في مجالات عسكرية، ووصلت العلاقات بين الجانبين عندما عقدت غولدا مائير اجتماعا سريا مع رئيس الوزراء السوداني عبدالله خليل في صيف 1957، في أحد فنادق باريس، وبعد هذا الأجتماع بأقل من عام أطاح انقلاب عسكري في الخرطوم حكومة عبد الله خليل، وأستلم السلطة في السودان إبراهيم عبود الذي وجه سياسة السودان تجاه مصر وأخذ يتقرب منها ومن سياستها، مما أدى لقطع العلاقات مع اسرائيل. للمزيد أنظر:

محمود محارب، التدخل الإسرائيلي في السودان، في: مجموعة مؤلفين، إنفصال جنوب السودان المخاطر والفرص(بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة  السياسات،2012)، ص ص 204-210.

[34]– الدعم العسكري الإسرائيلي لحركة التمرد في جنوب السودان بمشاركة إثيوبية وأوغندية بما يهدد الأمن القومي المصري، نشرة دراسات(القاهرة:الدار العربية للدراسات والنشر والترجمة، العدد 107، أكتوبر 1996)، ص 40.

[35]-Jacob Abadi, Israel and Sudan: the saga of an enigmatic relationship, Middle Eastern Studies, (London: Taylor&Francis.Ltd, Vol. 35, No.3, July1999),p22

[36]– أحمد سعيد نوفل، دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي(بيروت:مركز الزيتونة للدراسات والإستشارات،2008)، ص 12.

[37]– د.إبراهيم نصر الدين، م. س. ذ. ، ص ص 52-53.

3– د. أماني الطويل، إسرائيل وإستراتيجيات تجزئة السودان، في: مجموعة مؤلفين، إنفصال جنوب السودان المخاطر والفرص، م. س. ذ. ، ص 235.

[39]– في بداية ظهور الحركة، إندلعت منافسة شديدة حول قيادة الإنيانيا  بين الإستوائيين والنيليين( الدنكا،النوير،الشلك)، ولكن بقيت  المجموعة الإستوائية مسيطرة على قيادتها العسكرية والسياسية على الرغم من إن  معظم قياداتها من الأميين، ومع حلول منتصف عام 1964 توسعت الحركة وشارك في صفوفها النوير والشلك، للمزيد أنظر:

Robert Collins, Civil Wars in the Sudan, Journal Compilation,(London: Blackwell Publishing Ltd,2007),pp. 1779-1780.

[40]– د.إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، م. س. ذ. ، ص 53.

[41]– Scopas S.Poggo, The first Sudanese Civil War, Africans, Arabs, and Israelis in the South Sudan 1955-1972(New York: Palgrave Macmillan,2009),p156.

[42]– Ibid, ,p. 154.

[43]-Mawut Achiecque Guarak, Integration and Fragmentation of the Sudan: An African Renaissance ( United States of America: Author House, 2011),PP.405-408.

[44]– أحمد أبو سعدة، جنوب السودان وأفاق المستقبل(القاهرة:مكتبة مدبولي، 2011)، ص ص 98-103.

[45]– نادية سعد الدين، التدخل الإسرائيلي في جنوب السودان، مجلة المستقبل العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 395، يناير2012)، ص 86.

[46]-Stephanic F. Beswick  ,Op.cit, Pp.327-331.

[47]–  Robort Collins,Op.cit,pp. 1783-1784.

*وهو ما وافقت عليه بعض الأحزاب الشمالية مثل حزب الإتحاد الديمقراطي وحزب الأمة والحزب الشيوعي ورفضته الجبهة الإسلامية في بادئ الأمر، ولكنها وافقت على عدم تطبيق الشريعة الاسلامية في الجنوب وفقا لإتفاقية نيفاشا للسلام، التي وقعتها مع الحركة الشعبية عام2005، وبموجبها أصبحت الحركة الشعبية تحكم الجنوب وتطبق النظام العلماني، كما طالبت بإلغاء القوانين الإسلامية في الشمال ثمنا للوحدة معه.

[48]-South Sudan,  Jounglei- we have always been at war, African report, (Belgium: International Crisis group, No.221,22 December,2014) ,pp.12-14.

[49]– د. حمدي عبد الرحمن، سياسات التدخل الخارجي في قضية جنوب السودان، مجلة قراءات أفريقية(لندن،المنتدى الإسلامي، العدد الثامن، أبريل- يونيو2011)، ص ص 43-44.

[50]– د.إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، م. س. ذ. ، ص 114.

[51]– Robert Collins, Op.cit ,p.1785.

[52]– نادية سعد الدين، التدخل الإسرائيلي في جنوب السودان، مجلة المستقبل العربي(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، العدد  395، يناير2012)، ص ص 86-87.

[53]-Robert Collins, Op.cit ,p.1786.

[54]– د.إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، م. س. ذ. ، ص 101.

[55]-Robert Collins, Op.cit,pp. 1787-1788.

[56]– د. أيمن شبانة، الحركة الأهلية ومستقبل الدولة في جمهوربة جنوب السودان، مجلة الشؤون الأفريقية( القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، العدد الثاني عشر، أكتوبر 2015)، ص ص 37-38.

[57]–  د.إبراهيم نصر الدين، دراسات في النظم السياسية الأفريقية، م. س. ذ. ، ص ص 113-114.

[58]– د. فرنسيس دينق، صراع الرؤى_نزاع الهويات في السودان، م. س. ذ. ، ص205.

[59]– Rainer Rothfuss and Yakubu Joseph, Op.cit,pp. 3532-3533.

[60]– عبد القادر إسماعيل، جنوب السودان صراعات الحرب وصراعات السلام: دور الأحزاب السياسية1947-1972(القاهرة: مكتبة مدبولي،2011)، ص ص 448-449.

[61]– د. عبد الحميد الموساوي، العلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل وجنوب السودان وإنعكاساتها على مصروالسودان، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية(بغداد: الجامعة المستنصرية، العدد44، 2013)،  ص ص 5-6.

[62]– وقيع الله حمودة شطة، جنوب السودان بين المؤامرة والتخاذل، مجلة قراءات أفريقية(لندن: المنتدى الإسلامي، العدد السادس،2010)، ص ص 63-66.

[63]– م. س. ، ص 66.

[64]– م.س. ، ص 68.

[65]– جلبرت خاديا جالا، شرق أفريقيا الأمن وأرث الهشاشة( أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2009)، ص 20.

[66]– الشفيع خضر سعيد، مستقبل السودان بعد إنفصال الجنوب، في: إنفصال جنوب السودان المخاطر والفرص، م. س. ذ. ، ص 432.

[67]– Israel–South Sudan relations, Available at:https://en.wikipedia.org/wiki/Israel%E2%80%93South_Sudan_relations#cite_note-22.

[68]– Herb Keinon, Israel names envoy to South Sudan, The Jerusalem post,January 11, 2012, Available at: http://www.jpost.com/Diplomacy-and-Politics/Israel-names-envoy-to-South-Sudan

[69]-Joshua Spurlock, South Sudan President Visits Israel, Available at: http://www.themideastupdate.com/south-sudan-president-visits-israel/  and see also: Rainer Rothfuss and Yakubu Joseph , Op.cit, p. 3533.

[70]Israel and Africa, Jerusalem Post Editorial, Available at:http://www.jpost.com/Opinion/Editorials/Article.aspx?id=2506340.

[71]– Ibem.

[72]– د.حمدي عبد الرحمن، م.س.ذ. ، ص 104.

[73]– د. عبد الحميد الموساوي، م. س. ذ. ،ص5.

[74]– سارة محمد السمان، سياسة إسرائيل الخارجية تجاه  دول حوض النيل بعد الحرب الباردة، رسالة ماجستير، كلية العلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2015، ص 232.

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *